الأربعاء، 16 أبريل 2014

اباحة التمثيل بشكل عام واباحة تمثيل الصحابة والرد على المحرمين











تنويه البحث للشيخ عدنان عبد القادر البحث منقول من موقع الشيخ مع بعض التعديلات البسيطة فى العنوانين فقط 


مقدمة قبل الشروع فى التفاصيل

اختلف العلماء في جواز التمثيل. فحرمه مجموعة من المشايخ الأفاضل منهم
ابن باز والألباني وبكر بو زيد.

               

وأباحه آخرون من المشايخ الأفاضل منهم محمد رشيد رضا وابن حميد وابن عثيمين وابن جبرين ولجنة فتوى الأزهر.

 

والأرجح قول من أجازه. فالأصل في المعاملات الإباحة ما لم يرد دليل مانع، ولما ثبت من تمثل جبريل ومجموعة من الملائكة في صورة البشر، ومثل النبي (صلى الله عليه وسلم ) تصرف بعض الصالحين لما حكى قصتهم. وللمصالح الكبيرة المترتبة عليه إذا ضبط بلجنة شرعية رقابية.

 

أما تمثيل الصحابة فقد منع بعض المشايخ وأجازه بعضهم. وممن أجازه عالم مصر السلفي الشيخ محمد رشيد رضا. واحتج من أجازه بأنه موافق للبراءة الأصلية، والأدلة الدالة على جواز التمثيل، والمصالح الكبرى المترتبة عليه، مع قلة المفاسد المتوقع حدوثها بشرط أن يضبط بلجنة شرعية رقابية على النص وعلى الأداء وإلا فلا يجوز.

 واليكم التفاصيل بالادلة

أولاً: حكم التمثيل على وجه العموم

 

اختلف العلماء في التمثيل فبعضهم يرى تحريمه منهم المشايخ الأفاضل ابن باز والألباني وبكر أبو زيد وحمود التويجري رحمهم الله و الشيخ صالح الفوزان حفظه الله تعالى.

 

ومجموعة أخرى ترى جواز التمثيل منهم المشايخ الأفاضل محمد رشيد رضا وابن عثيمين وابن منيع وابن حميد وابن جبرين ولجنة الفتوى في الأزهر.

 

والدليل على صحة الرأي الثاني ما يلي:

 

1- قصة الملكين الذين أتوا إلى نبي الله داود (عليه السلام) في صورة خصمين (خصمان بغى  بعضنا على بعض) فقال أحدهما (إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزني في الخطاب).

 

2-  وقصة الأبرص والأقرع والأعمى الذين تمثل لهم ملَكٌ على صورة كل منهم، وقال لهم الملَكُ عن نفسه: ”رجل مسكين، قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال، بعيراً أتبلغ عليه في سفري“. رواه مسلم (2964)، وكذا لما أتى في صورة الأقرع وفي صورة الأعمى.

 

فالملَكُ ليس رجلاً وليس مسكيناً ولم تنقطع به الحبال في سفره، ولا يحتاج إلى السؤال، ولا يبلغ بصدقته في سفره.

 

قال الشيخ: ابن عثيمين:

ومن فوائد الحديث: ”جواز التمثيل، وهو أن يتمثل الإنسان بحال ليس هو عليها في الحقيقة. مثل أن يأتي بصورة مسكين وهو غني وما أشبه ذلك إذا كان فيه مصلحة وأراد أن يخبر إنساناً بمثل هذا فله ذلك“. القول المفيد (3/53)

 

3- تمثل جبريل (عليه السلام) للنبي (صلى الله عليه وسلم ) في صورة دحية الكلبي

وتمثله لمريم عليها السلام في صورة بشر سوي (فتمثل لها بشراً سوياً).


4- تمثل الملائكة لإبراهيم (عليه السلام) ولوط (عليه السلام) في غير صورتهم التي خلقوا عليها، فتمثلوا في صورة شباب قد غلب عليهم الجمال وحسن الصورة.

 

5- ما ورد عن النبي (صلى الله عليه وسلم ) في حكاية وتمثيل بعض أفعال من سبقه. من ذلك قوله (صلى الله عليه وسلم ): ”إن عبداً من عباد الله بعثه الله إلى قوم فكذبوه وشجوه، فكان يمسح الدم عن جبينه ويقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون“.

 

قال ابن مسعود:

”فكأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) يحكي الرجل يمسح عن جبهته“. رواه أحمد

 

مسح النبي (صلى الله عليه وسلم ) عن جبهته يحكي ويمثل فعل ذلك العبد الصالح دليل على جوازه.

 

6- وفي حديث النبي (صلى الله عليه وسلم ): ”لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة“ وفيه ”وبينما صبي يرضع من أمه فمر رجل راكب على دابة فارهة، وشارة حسنة، فقالت أمه: اللهم اجعل ابني مثل هذا، فترك الثدي وأقبل إليه فنظر إليه، فقال: اللهم لا تجعلني مثله، ثم أقبل على ثديه فجعل يرتضع“. قال أبو هريرة (رضي الله عنه) : فكأني أنظر إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم ) وهو يحكي ارتضاعه بإصبعه السبابة في فمه، فجعل يمصُّها“. رواه مسلم (2550)

 

7- البراءة الأصلية، فالأصل في المعاملات الإباحة ما لم يدل دليل على تحريمها.

 

8- وأن التمثيل يجري مجرى ضرب الأمثال التي أكثر الله تعالى من ذكرها في القرآن وذكرها النبي (صلى الله عليه وسلم ) في السنة، وضرب المثل كما يكون بالقول يكون بالفعل.

 

9- التمثيل نوع من أنواع التشبيه. والتشبيه ورد في القرآن والسنة وكلام العرب ولم ينتقده النبي (صلى الله عليه وسلم ). فما جاز بالقول جاز بالفعل ما لم يأت دليل يمنع منه.

 

10- المصالح العظيمة المترتبة على التمثيل.

 

فالتمثيل فيه مصالح عظيمة كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى إذا ضبط بالضوابط الشرعية.

 

11- أصبح ضرورة

 

أصبح التمثيل في العصر الحالي ضرورياً في عرض الدعوة الله ودينه الحق ومواجهة أعداء الدين كما سيأتي بيانه بإذن الله تعالى.

 

بعض الاعتراضات على المذهب القائل باباحة التمثيل والرد عليها

 

 

أ- التمثيل كذب:

 

التمثيل ليس بكذب كما قال الشيخ ابن عثيمين، لأنه يحكي كلام من يتكلم بلسانه بعلم الحاضرين والمخاطبين. قال الشيخ ابن عثيمين: (إن التمثيل ليس بكذب،
لأن الممثل لا يقول: أنا عين فلان، ولكن يقول: أنا أقوم بعمل يشبه عمله). البيان المفيد (12)

 

قال الشيخ ابن جبرين: ”الحاضرون يعلمون أنها ليست حقيقة، إنما هي تمثيل فلا ينطبق عليهم حديث ”ويل للذي يحدث ويكذب ليضحك القوم، ويل له، ويل له“ فهؤلاء ما كذبوا، وإن كانوا كاذبين فالحاضرون يعلمون أن هذا ليس هو فلان، فلأجل ما فيها من التأثير والأهداف الطيبة أنا أقول: لا بأس بها.

 

وقد كان مشايخنا يحضرون في الأندية وفي قاعات المحاضرات في كلية الشريعة والمعاهد العلمية، فهذه إن شاء الله نافعة ومؤثرة، حتى وإن تسمى باسم شيخ الإسلام“. حكم التمثيل في الدعوة إلى الله لآل هادي  (86)

 

 

ب - وقد اعترض بعضهم بأنه تشبه بالنصارى كعيد الشعانين، وأنها جاءتنا من الكفر.
فأجاب الشيخ ابن جبرين: ”بل ورد ما يدل عليها، وليس كل ما يفعلونه ممنوعين نحن منه إذا لم يكن من خصائصهم، وهذا ليس من خصائصهم، فما يضر المسلمين“. حكم التمثيل في الدعوة إلى الله تعالى عبد الله بن محمد آل هادي (87)

 

 ثانيا: تمثيل الصحابة:

 

أما العلماء الذين قالوا بجواز التمثيل فقد اختلفوا في تمثيل الصحابة:

 

القول الأول:

 

للشيخ محمد رشيد رضا فإنه يرى «جواز تمثيل الصحابة على شكل رواية أدبية خُلُقية، تُظهر محاسن ذلك الصحابي الممثَّل لأجل الاتعاظ بسيرته ومبادئه العالية، مع التحفظ والتحري لضبط سيرته دون إخلال بها من أي وجهة كانت». وقال: «لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل حياة الصحابة
أو أعمالهم الشريفة». فتاوى رشيد (6/ 2348). فأطلق بجواز تمثيل جميع الصحابة
y بضوابط.

 

 

القول الثاني:

 

للجنة الأزهر، إذ أباحت تمثيل بعض الصحابة كبلال وأنس وغيرهم إلا كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية (رضي الله عنه) وكذا زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم). مجلة الأزهر- محرم عام 1379هـ

 

إذ قالت الفتوى: «عدم جواز ظهور من يمثل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن والحسين ومعاوية وأبنائهم (رضي الله عنهم) جميعاً لقداستهم، ولما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين. أما من لم ينقسم الناس في شأنهم كبلال وأنس وأمثالهما فيجوز ظهور من يمثل شخصياتهم بشرط أن يكون الممثل غير متلبس بما يمس شخصية من يمثله“. وكذا قالت الفتوى بعدم جواز تمثيل زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) أمهات المؤمنين، وأباحت تمثيل التابعين وأتباعهم. وقال بهذا القول أحمد القضاة وغيره.

 

القول الثالث:

 

من منع تمثيل الصحابة وأباح تمثيل الأئمة والعلماء. وقال به الشيخ محمد بن موسى الدالي، وقدمها رسالة لجامعة محمد بن سعود، ونال بها رسالة الماجستير بتقدير عام امتياز. مع العلم بأن مدير الجامعة د. سليمان أبا الخيل حفظه الله، لئلا يقال بأن الجامعة تخرج آراء شاذة مبتدعة.

 

ويرى الشيخ ابن جبرين جواز تمثيل الأئمة والعلماء كشيخ الإسلام ابن تيمية، ولم يتطرق إلى تمثيل الصحابة لا بالمنع ولا بالجواز.

 

 

القول الرابع:

 

من منع تمثيل الصحابة والأئمة والعلماء، ومنهم الشيخ ابن عثيمين.

 

أدلة أصحاب القول الأول

 

استدل من قال بجواز تمثيل عموم الصحابة (رضي الله عنهم) بضوابط بالأدلة الآتية:

 

 

1- جواز أصل التمثيل

 

فالتمثيل جائز لما سبق من الأدلة المذكورة منها قصة تمثل الملكين في صورة خصمين، وتمثل الملك في صورة أبرص وأقرع وأعمى، وتمثل الملائكة في صورة شباب لإبراهيم الخليل u ولوط u، وتمثيل النبي (صلى الله عليه وسلم) لفعل الرجل الصالح في مسح جبينه، وتمثيله لرضاعة الطفل من ثدي أمه، والبراءة الأصلية فالأصل في المعاملات الحل، وأنه يجري مجرى ضرب الأمثال، وهو نوع من التشبيه.

 

فإذا جاز أصل التمثيل جاز الفرع إلا لدليل يمنع منه، ولا دليل مانع كما ذكر الشيخ محمد رشيد رضا.

 

ونوقش:

 

بأنه يمنع من تمثيل الصحابة توقيراً لهم لئلا يكون فيه غبن لذوي الفضل، لئلا يشعر الإنسان بنقص الصحابي لأن الذي يتقمص شخصيته قد يكون فاسقاً.

 

وأجيب:

 

بأنه إذا انتفت تلك العلة جاز تمثيلهم، وسيأتي بإذن الله تعالى انتفاء هذه العلة.

 

2- عدم جواز تمثيله هو من خصائص الله تعالى

 

الله تعالى وحده الذي (ليس كمثله شيء). فهو سبحانه وحده المختص بعدم المثلية وعدم الندية، فهو الفرد الأحد الصمد. ولا يجوز لأحد أن يمثل ذات الله المقدسة ولا صفاته العليا ولا أفعاله، ولا يكيفها.

 

أما غير الله تعالى فلا يقال أنه لا يجوز تمثيله أو تمثيل صفاته وأفعاله.

 

ونوقش:

 

بأن هذا يقتضي جواز تمثيل النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وبالاتفاق لا يجوز ذلك.

 

وأجيب:

 

بأن منع تمثيل النبي (صلى الله عليه وسلم)  خشية أن يفعل الممثل فعلاً أو يتلفظ بقول لم يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم)  فيدخل في قوله (صلى الله عليه وسلم): ”من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار“. وغير ذلك من النصوص التي تدل على وجوب التحرز في نسبة فعل أو قول للنبي (صلى الله عليه وسلم). وأفعاله وأقواله وحي (إن هو إلا وحي يوحى). ولا يقال هذا الأمر في الصحابة (رضي الله عنه ) ، بل تساهل العلماء في رواية القصص عن الصحابة والمواعظ والزهديات إذا كان فيها ضعف يسير.

 

3- تمثل جبريل (عليه السلام )  في صورة الصحابي دحية الكلبي (رضي الله عنه)

 

روى النسائي عن ابن عمر (رضي الله عنه): ”كان جبريل يأتي النبي (صلى الله عليه وسلم)  في صورة دحية الكلبي“. صححه ابن حجر، وهذا في عصر النبوة وبحضرة النبي (صلى الله عليه وسلم).

 

4- إلقاء شبه عيسى (عليه السلام) على رجل

 

قال الله (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم). وقد قال بعضهم إنه أحد الحواريين، وقال آخرون إنه رجل يقال له ”يودس“ خان نبي الله عيسى (عليه السلام) فألقى الله شبهه عليه بعدما بين عيسى (عليه السلام) لأتباعه الحواريين بأنه سيرفع. فإذا كان كذلك فقد ألقى الله تعالى شبه نبي الله عيسى (عليه السلام) لأجل مصلحة على رجل فاسق خائن.

 

5- المصلحة الكبرى من تمثيلهم

 

إخراج سير الصحابة رضي الله عنهم على شكل أفلام فيه مصالح كبرى، وينشر منهج سلف الأمة في بيان سير الصحابة ومكانتهم وعلو قدرهم، ذلك لما يلي:

 

أ - في هذا العصر أعرض كثير من المسلمين عن القراءة.

 

ب - إقبالهم على مشاهدة القنوات، وإقبالهم على مشاهدة الأحداث المصورة يفوق القراءة أضعافاً مضاعفة، صغيرهم وكبيرهم، ذكرانهم وإناثهم. بل قد يقرأ الكتاب مليون، بينما يشاهده مئات الملايين.

 

ج - تأثير الأفلام على الأطفال والشباب والكبار يفوق تأثير الكتاب والدروس أضعافاً كثيرة.

 

قال الشيخ ابن جبرين ”التمثيليات إذا كانت هادفة ومفيدة فهي أكثر فائدة من الكلمات التي تلقى على الحاضرين، وتأثيرها أكثر من تأثير الكلمات، وذلك لأنهم يشاهدونها بالنظر، فيقبلون عليها، ثم يطبقونها ويحرصون عليها، ويتذكرونها تذكراً زائداً“.

وقال: ”حتى ينتبهوا لها أكثر مما لو خطب خطيب فقال: حصل لشيخ الإسلام كذا وكذا، وقد لا ينتبهوا لما قال، ولا يتمثلونه كما يتمثلونه إذا صوّر أمامهم“. حكم التمثيل لآل هادي (86)

 

د - حفر الصورة في الذاكرة

 

الموقف المصور يحفر في الذاكرة أكثر مما تحفره الدروس والخطب، فيبقى تأثيره ملازماً للمشاهد.

 

هـ - بيان جوانب غائبة عن الكثير

 

في الفيلم المراجع من قبل هيئة ومتعوب عليه تعرض فيه جوانب من شخصية البطل مغفول عنها، ولا يعلمها كثير من الناس، وإنما غائصة في بطون بعض الكتب، لا يصل إليها إلا نسبة قليلة من قراء الكتب.

 

و- بعض الدول لا يدرس فيها شيء عن الصحابة لاسيما سير الخلفاء الراشدين. فالمسلمون في مدارس الدول غير المسلمة لا تشتمل كتب مناهجهم على الصحابة ولا الإسلام، لاسيما في المدارس الحكومية كالدول الغربية وغيرها.

بل حتى في بعض الدول العربية العلمانية لا تدرس فيها هذه الشخصيات الفذة، وبعضهم لا يكاد يعرف شيئاً عن الصحابة (رضي الله عنه).

 

ز- المدارس الأجنبية في الدول الإسلامية.

 

بل حتى الدول الإسلامية التي تدرس في مدارسها الحكومية سير بعض الصحابة لا تدرس المدارس الأجنبية فيها مثل هذه الشخصيات. وأعداد كبيرة من أبناء المسلمين يدرسون في هذه المدارس ويتخرجون من الجامعات ولا يعلمون شيئاً عن أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم) . ونسبة كبيرة منهم من أبناء طبقة خاصة في المجتمع.

 

ح- سهولة وسرعة انتشار الأفلام، حيث انتشارها أسرع بكثير من الكتب.

 

ط- أبلغ في التأثير من الدروس والخطب والمحاضرات.

 

قال الشيخ ابن جبرين: ”التمثيليات إذا كانت هادفة ومفيدة هي أكثر فائدة من الكلمات التي تلقى على الحاضرين، وتأثيرها أكثر من تأثير الكلمات. وذلك لأنهم يشاهدونها بالنظر، فيقبلون عليها، ثم يطبقونها ويحرصون عليها، ويتذكرونها تذكراً زائداً“.

وقال: ”تأثيرها أكثر من تأثير الكلمات، وفيها مصلحة، والحكم يدور مع مصلحته“.

 

وقال: ”هذا تنزيل لقصة واقعة حتى تنتبهوا لها أكثر مما لو خطب خطيب فقال: حصل لشيخ الإسلام كذا وكذا، فقد لا ينتبهوا لما قال، ولا يتمثلونه كما يتمثلونه إذا صوِّر أمامهم“. حكم التمثيل في الدعوة إلى الله (86)

 

فهي تصل إلى العقول والقلوب بأبلغ الأثر وأعمقه. وهي وسيلة فعالة لتوجيه المشاهدين.

 

فهذه مصالح كبرى تقتضي القول بجوازها واستحبابها إن لم يقل بضرورتها.

 

نوقش:

 

 بأنها كذلك فيها بعض المفاسد، منها قيام الفساق بتمثيل دور الصحابة، فهذا فيه شيء من الازدراء. وأنه قد يطبع في ذهن المشاهد صورة هذا الفاسق مقترنة بالصحابي إذا ما رآه في فيلم آخر يمثل مشهداً غير لائق. ويعتبر غيبة في حق الصحابي لأنه لا يرضى أن يمثل فاسق دوره.

 

وأجيب بما يلي:

 

6- قلة المفاسد المترتبة عليه

أما القول بأن الذين يمثلون دور الصحابة فساق، ففيه ازدراء للصحابة رضي الله عنهم، أو أنه يطبع في ذهن المشاهد صورة هذا الفاسق الذي يمثل الصحابي فإذا رآه في فيلم آخر يعاقر الخمر أو يغني فإنه يتصور الصحابي في هذا الموقف.

 

 

أ- القول بأن فيه ازدراء

 

أين الازدراء وهو لم يخل بأخلاقه حال تقمصه لشخصية الصحابي؟ وهل المقتدى به المتشبه به إلا أعلى رتبة من المقتدي المتشبه؟ إلا إذا قصد المقتدي الاستخفاف، والأمر ليس كذلك، بل يكون الممثل حريصاً على أن يتقن دوره ولا يخل بشيء من ذلك لأن عليه لجنة الرقابة الشرعية.

 

وهل يقال أن الرجل الفاسق لا يجوز له أن يذكر بعض مآثر الصحابة ومواقفهم البطولية، وأن ذكره ازدراء لهم؟ وليس الكلام عن قبول حديثه أم عدم قبوله، إنما عن جواز ذكره لها. وبيان المآثر بالقول كبيانها بالفعل.

 

ب- أما القول بأنه يطبع في ذهن المشاهد صورة هذا الممثل لو رآه في فيلم آخر يمارس الفسق، فهذه مفسدة بعيدة التحقق.

 

ولو أخذنا بتجربة واقعية: عندما مثَّل أنتوني كوين دور عمر المختار، هل من رأي أنتوني كوين في أفلامه الأخرى تصور في ذهنه أن عمر المختار هو الذي يمارس تلك الأفعال؟

 

هذا الممثل عبد الله غيث لما مثل دور ”جعفر بن أبي طالب“ في فيلم الرسالة، هل من رأى عبد الله غيث في أفلامه الأخرى يتصور أن ”جعفراً“ (رضي الله عنه)  هو الذي يمارس تلك الأفعال؟

 

كم عدد الذين حدث لهم هذا التصور فتزعزعت عندهم مكانة جعفر (رضي الله عنه) لما رأوا عبد الله غيث في أفلامه الأخرى.

 

كم عدد الذين تزعزعت عندهم مكانة عمر المختار لما رأوا أنتوني كوين في أفلامه الأخرى؟

 

وكذا دحية الكلبي لو وقع في ذنب، هل تختل مكانة جبريل (عليه السلام) لأن صورة جبريل (عليه السلام) اختلطت بصورة الصحابي دحية الكلبي.

 

فحال تمثل جبريل (عليه السلام) في صورة ”دحية“، هل أخطاء ”دحية“ يُركِّبها الصحابة على جبريل إذا ما رأوا جبريل أتى إلى النبي (رضي الله عنه) في صورة ”دحية“؟


كم من الصحابة وقع في مثل هذا الخلط؟

 

ج- بل إن العقل البشري يتكيف مع كل موقف. فتجد الطالب يتكيف مع المدرس الحازم، ويغير شخصيته مع المدرس المتهاون، ويتعامل مع أمه بطريقة تختلف عن معاملته مع أبيه، وتختلف تماماً عن معاملته مع أصدقائه، ويتعامل مع مدرس العسكرية بطريقة مختلفة تماماً عن مدرس الرسم.

 

وهكذا يتكيف عقله باختلاف المواقف، فيصعب أن يقال لو رأى الممثل في فيلم آخر فإنه يتصور أن هذا الصحابي يفعل مثل هذه الأفعال.

 

د- أما القول بأنه غيبة في حق الصحابي.

 

فيقال: ”الغيبة هو ذكرك أخاك بما يكره“. فإذا ذكره بما لا يكره، بل ذكر مناقبه، ومآثره، وحبب الناس إليه كان في ذلك تمجيد ورفع ذكر. فإن الممدوح يحب من يمدحه ويثنى عليه سواءً بذكر قصته أو بتمثيلها. ألا يفرح العظماء بإنتاج فيلم تحكي قصتهم ومناقبهم ومآثرهم، بل يقال العكس.

 

فمن منع تمثيل الصحابة (رضي الله عنهم)  منعه سداً للذريعة، ولئلا يزعزع الثقة بهم، ولأن مفسدة تمثيلهم تغلب على المصلحة.

 

لكننا لو نظرنا إلى تلك المفاسد لوجدناها قليلة التحقق. ثم إذا قارناها بتلك المصالح العظمى بسبب إقبال الملايين على المشاهدة، وإعراض الناس عن القراءة. والتأثير البالغ للأفلام على الأطفال والشباب والكبار، وأن الموقف المصور يحفر في الذاكرة، وفي التمثيل بيان جوانب غائبة عن الكثير، وأن أعداداً كبيرة من المسلمين ”بالملايين“ لا يدرسون في مدارسهم حياة الصحابة لأنهم يعيشون في دول غير إسلامية، وأن بعض أبناء المسلمين من طبقة خاصة ممن يعيش في الدول الإسلامية لا يعلمون شيئاً عن الصحابة لأنهم يدرسون في مدارس خاصة، وسرعة انتشار الأفلام وسهولتها لاسيما في ”اليوتيوب“، بالإضافة إلى تشويه صورة الصحابة من قبل بعض الفرق الضالة.

 

ثم طبقنا قاعدة ”إذا غلبت المصالح جاز الأمر“وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (ما كان منهياً عنه للذريعة يفعل للمصلحة الراجحة). المجموع (22/298). كما في النهي عن الصلاة عند الغروب والشروق وإباحته للمصلحة، وإباحة بيع العرايا مع تحريم المزابنة، لاسيما وأن الأصل الإباحة ما لم يأت دليل على المنع، مع اجتناب المفاسد المتوقعة، بالإضافة إلى الأدلة المذكورة من تمثل جبريل (عليه السلام) في صورة دحية الكلبي، وتمثل الملائكة في صور بعض البشر، وحكاية النبي r يمثل فعل بعض الصالحين، وأن التمثيل يجري مجرى ضرب الأمثال، وجواز التشبيه، والبراءة الأصلية. وإلقاء شبه نبي الله عيسى (عليه السلام) على رجل خائن فاسق، وأن الذي لا يجوز تمثيله على الإطلاق بأي صورة من الصور هو من خصائص الله تعالى لرأينا أنه لا حرج من اللجوء إلى مثل هذه الأفلام تحت رقابة شرعية لتبرئة الصحابة وتحبيب الناس لهم، وأن من سعى في هذا الطريق فقد ساهم في حب الصحابة ونشر فضلهم، بشرط أن يكون تحت رقابة لجنة شرعية، تراقب النص والأداء.

 

وأسوق مرة أخرى قول عالم مصر السلفي الشيخ محمد رشيد رضا الذي تبنى الشيخ عبد الرحمن السعدي كثيراً من اجتهاداته، وكذا الشيخ ابن عثيمين يحتج بآرائه في عدة مواضع. قال الشيخ رضا: «جواز تمثيل الصحابة على شكل رواية أدبية خُلُقية، تُظهر محاسن ذلك الصحابي الممثَّل لأجل الاتعاظ بسيرته ومبادئه العالية، مع التحفظ والتحري لضبط سيرته دون إخلال بها من أي وجهة كانت». وقال: «لا يوجد دليل شرعي يمنع تمثيل حياة الصحابة أو أعمالهم الشريفة». فتاوى رشيد (6/ 2348). فأطلق بجواز تمثيل جميع الصحابة (رضي الله عنهم) بضوابط.

 

أدلة أصحاب القول الثاني

 

من قال بعدم جواز تمثيل كبار الصحابة ولا تمثيل الصحابة الذين حدثت في عهدهم بعض الأحداث استدلوا بما يلي:

 

1- لقداستهم: إذ لهم من المكانة والقداسة ما يجب أن يحافظ عليها وعدم انتهاكها.

 

نوقش:

 

بما سبق ذكره:

 

(أ) بأن الذي لا يجوز أن يمثَّل هو الله تعالى وحده.

 

(ب) وأنه ليس فيه ازدراء لهم، بل بيان مكانتهم ومناقبهم ومآثرهم وتأكيدها، ورد على من أراد تشويه سيرتهم وقد سبق بيانه.

 

 

2- لما لهم من المواقف التي نشأت حولها الخلافات وانقسام الناس إلى طوائف مؤيدين ومعارضين.

 

نوقش:

 

بأن لجنة الرقابة الشرعية هذا دورها في حذف النصوص المكذوبة عليهم والضعيفة، دورها في مراجعة النص للتأكيد بأن من شاهد سيرتهم في هذه الأحداث عرف عظمتهم ونقاوتهم. وأن هذه الأحداث ناتجة عن اجتهادات مغفورة. بحيث من رأى الفيلم خرج منه بقلب صافٍ نقي تجاه هؤلاء الصحابة، وعرف من خلاله الردود على من أراد تشويه سيرتهم. لذا اشترط وجود لجنة الرقابة الشرعية في مراقبة النص والأداء؟!

 

أدلة أصحاب القول الثالث

 

وهم الذين منعوا من تمثيل الصحابة وأباحوا تمثيل العلماء. فأدلتهم مذكورة في القول الثاني.

 

أدلة أصحاب القول الرابع

 

وهم الذين منعوا من تمثيل الصحابة والأئمة والتابعين والعلماء. وأدلتهم هي التي احتج بها أصحاب القول الثاني، وقد سبق بيانها.

 

الخلاصة


أن من قال بالجواز فله سلف صالح، واستدل بأدلة من الكتاب والسنة والقواعد الأصولية والفقهية.

ومن قال بعدم الجواز فله سلف صالح واستدل بقاعدة المقاصد. فلا يصح تفسيق ولا تبديع أيٍّ من الفريقين.

والله أعلم.

 

 

والحمد لله رب العالمين

 

عدنان عبد القادر


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق