تنبيه البحث منقول من ملتقى اهل الحديث من مشاركة للعضو ابو عبدالله السعيدى
المبحث الأوّل من مشاركة للعصض : تعريف
التقليد .
ويشمل المطالب التالية :
المطلب الأوّل : تعريف
التقليد لغة واصطلاحا .
المطلب
الثاني : الفرق بين التقليد والأتّباع .
المطلب الأوّل : تعريف
التقليد لغة واصطلاحا .
أوّلا : التقليد لغة : من
قلّد المرأة تقليدا , أي جعل القلادة في عنقها , ويكون للإنسان والحيوان , ومنه تقليد البدن : أن يجعل في عنقها شعار يُعلم به أنّها هدي .
ومنه قلّد الأمر : ألزمه
إياه .
وتقلّد الأمر : احتمله ,
وكذلك تقلّد السيف .
ويُقال : قلّد البعير : إذا
جعل في عنقه حبلا يُقاد به .
ومقلّد الرجل : موضع نجاد
السيف على منكبيه .
ويُقال : قلّد القرد
الفرس : إذا حاكاه في حركاته[1] .
ممّا تقدّم نرى أنّ
التقليد في اللغة جاء لمعان عدّة منها :
الإحاطة بالعنق , الشعار
والعلامة , الانقياد , التفويض , والمحاكاة والمشابهة .
جاء في المفردات في غريب القرآن :
والقلد بفتح القاف وسكون اللام : الفتل , يُقال
: قلّدت الحبل فهو قليد ومقلود , أي فتلته , والقلادة سُمّيت على ما يبدوا ؛ لأنّها مفتولة في
الغالب وبها شبه كل ما يتطوٌّّّّّ به وكلّ ما يحيط
بشيء[2]
.
ثانيا : التقليد اصطلاحا
: عرّف علماء الأصول التقليد بتعاريف عديدة , والتي ترجع في نهايتها إلى أنّه أخذ
قول الغير بلا حجّة , أو العمل بقول الغير من غير حجّة ولا دليل[3] .
ومن هذه التعاريف : ماعرّفه
الإمام الغزاليّ في المستصفي بقوله : " التقليد هو قبول بلا حجّة "[4] .
ومنها ما عرّفه الإمام
الآمديّ في كتابه الإحكام بأنّه : " العمل بقول الغير من غير حجّة مُلزمة[5] " .
ومنها ما عرّفه الإمام أبو الخطّاب
الحنبليّ في التمهيد في أصول الفقه بقوله : " وسمّي
بذلك لأنّ المقّلد يقبل قول المقلّد بغير حجّة "[6] .
ومعنى قولنا : " قبول قول
الغير " : أي قبول المقلّد قول المجتهد المبني على الاجتهاد ؛ لأنّ ما فيه نصّ فلا مذهب فيه لأحد , ولا قول فيه لأحد ؛ لوجوب إتّباعها على الجميع , فهو إتّباع لا قول حتّى يكون
فيه التقليد[7] .
ومعنى قولنا : " من غير حجّة "
: أي أنّ التقليد تفويض وإتّباع للشخص في كلّ ما يقول ؛ فالمقلّد لا يسأل عن كتاب الله ولا عن سنّة رسوله , صلّى الله عليه وسلّم , بل يسأل عن مذهب إمامه فقط , ولهذا
يخرج العمل بقول الرسول , صلّى الله عليه وسلّم , والعمل
بالإجماع ؛ لأنّ كلا من قول الرسول , صلّى الله عليه وسلّم , والإجماع يُعتبر حجّة في نفسه[8]
.
فقول الرسول , صلّى الله عليه
وسلّم , وفتواه حجّة ودليل على الحكم , والنبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , لا يُقلَّد ؛ لأنّ قوله حجّة , حيث
أنّه إذا أفتى بفتوى لم يحتج
أن يدلّ على الحكم بآية من كتاب الله ولا غيره , بل مجرّد
نطقه عنه , وكذلك يُقال في الإجماع ؛ فإنّه ليس المصير
إلى الإجماع تقليد المجمعين , ولكن نفس الإجماع
حجّة لله تعالى , كالآية والخبر , فإذا صار إلى
الحكم بدليل الإجماع كان دليله على الحكم الإجماع , بخلاف فتوى المجتهد ؛ فإنّ قوله ليس بحجّة , ولا دليل على الحكم ؛ لأنّه يفتقر إلى دليل يتعلّق الحكم به .[9]
ويخرج بقولنا : " من
غير حجّة " : رجوع العاميّ إلى المفتي , ورجوع القاضي إلى
شهادة العدول[10] , فهذا الرجوع لا يُعدّ تقليدا ؛ لأنّ قول
المفتي والشاهد لزم بحجّة الإجماع , فهو قبول قول بحجّة فلم يكن تقليدا ؛ لأنّ التقليد
قبول قول الغير بلا حجّة[11] .
وتجدر الإشارة أنّ الإمام ابن
الهمّام عرّف التقليد : " بأنّه العمل بقول من ليس قوله إحدى الحجج بلا حجّة منهما "[12] . واختار الإمام الشوكاني
هذا التعريف وقال عنه : " هذا الحدّ أحسن من الذي
قبله "[13]
.
المطلب
الثاني : الفرق بين التقليد والإتّباع .
يرى بعض العلماء أن لا فرق بين
التقليد والإتّباع, ولهذا فإنّهم يُقسّمون الناس
بالنسبة لأخذ الأحكام الشرعيّة إلى قسمين : إمّا مجتهد يستطيع استنباط الأحكام الشرعيّة من أدلّتها , وإمّا مقلّد ليس له قدرة على استنباط الأحكام , بل يأخذ قول المجتهد دون حجّة .
في حين يرى جمهور العلماء والأصوليين أنّ هناك
فرق بين الإتّباع والتقليد , فقالوا أنّ التقليد هو
عمل بقول الغير بلا حجّة , أمّّّّا الإتّباع فهو الائتمار
بما أمر الله تعالى به ورسوله , صلّى الله عليه وسلّم ,
وترسّم أفعاله وأحواله , صلّى الله عليه وسلّم , للإقتداء به[14] . أو هو أخذ من الدليل لا من المجتهد
؛ لأنّ معرفة الدليل يتطلّب نوع اجتهاد إذ يتوقّف على معرفة
سلامة الدليل من المعارض , لذلك إذا تابع الرجل
الأئمّّّّّة فيما تابعوا فيه رسول
الله , صلّى الله عليه وسلّم , وانقاد الدليل , فهذا يُعدّ متابعا
لا مقلّدا , فأخذه بأقوالهم لدلالة الأدلّّّّة عليها
إتّباعا في الحقيقة للأدلّة لا لأقوالهم[15]
.
قال الإمام ابن عبد
البرّ مبيّنا الفرق بين التقليد والإتّباع : " قال – أي أبو عبد
الله بن خويز منداد البصريّ المالكيّ – كلّ من اتّبعت
قوله من غير أن يجب عليك قبوله لدليل يوجب ذلك , فأنت مقلّده , وكل
من أوجب عليك الدليل إتّباع قوله فأنت
متّبعه "[16] .
وقال الإمام ابن القيّم : " وقد
فرّق أحمد بن حنبل بين التقليد والإتّباع , فقال أبو داود : سمعته يقول : الإتّباع
أن تتّبع الرجل ما جاء عن النبي , صلّى الله عليه
وسلّم , وعن أصحابه , ثمّ هو من بعد في التابعين مخيّر "[17] , فاعتبر أنّ الإتّباع هو ما ثبت بحجّة , والمتّبع هو الذي يتّبع الدليل الشرعي ؛ لأنّ الأخذ بالحجّة هو الأصل[18] .
من هنا ووفق التفريق السابق للتقليد والإتّباع
فإنّ الناس يُقسمون إلى ثلاثة أقسام , إمّا مجتهد , أو مقلّد , أو متّبع , والمقلّد ليس عنده قدرة على البحث والنظر , أمّا المتّبع , فإن لم يكن عنده القدرة على الاستقلال في
البحث وفهم الأدلّة واستنباط الأحكام منها
كالمجتهد , إلا أنّه يستطيع في الوقت نفسه فهم الحجّة
وعرفة الدليل[19] .
قال الإمام الشاطبيّ : المكلّف
بأحكامها – أي أحكام الشريعة – لا يخلوا من أحد أمور ثلاثة :
أحدها : أن يكون مجتهدا
فيها فحكمه ما أدّأه إليه اجتهاده فيها .
الثاني : أن يكون مقلّدا
صرفا خليّا من العلم الحاكم جملة , فلا بد له من قائد يقوده وحاكم يحكم عليه , وعالم
يقتدي به .
الثالث : أن يكون غير
بالغ مبلغ المجتهدين , لكنّه يفهم الدليل وموقعه , ويصلح فهمه للترجيح بالمرجّحات
المعتبرة فيه تحقيق المناط ونحوه[20] .
نستنتج ممّا سبق أنّ بين التقليد
والمتابعة عموم وخصوص , فالتقليد مطلق المتابعة , أمّا الإتّباع فهو المتابعة فيما قام الدليل عليه[21] , ونتيجة لهذا التفريق
بينهما اختلف العلماء في جواز أو عدم جواز التقليد , في حين اتّفقت
كلمتهم على أنّ المتابعة جائزة , قال ابن عبد البر نقلا عن الإمام أبي عبد الله بن خواز منداد البصريّ : " والإتّباع في الدين مسوغ "[22] .
المبحث
الثاني : أقسام التقليد .
يُقسّم العلماء التقليد
إلى قسمين وهما :
القسم الأوّل : التقليد
المذموم , أو المحرّم , وهو يُقسم إلى عدّة أنواع :
النوع الأوّل : الإعراض
عمّا أنزل الله تعالى , وعدم الإلتفات إليه اكتفاء بتقليد الأباء[23] .
النوع الثاني : تقليد من
لا يعلم المقلّد انّه أهل لأن يُؤخذ بقوله[24] .
النوع الثالث : التقليد بعد ظهور
الحجّة , وظهور الدليل على خلاف قول المقلّد[25] , ويكون دليل
إمامه ضعيفا[26] , يقول الإمام العز بن عبد السلام :
" ومن العجب العجيب أنّ الفقهاء المقلّدين , يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا , ومع هذا يقلّده فيه , ويترك من الكتاب والسنّة والأقيسة الصحيحة لمذهبه جمودا على تقليد إمامه , بل
يتحايل لدفع ظواهر الكتاب والسنّة ويتأوّلهما بالتأويلات
البعيدة الباطلة نضالا عن مقلّده " إلى أن قال :
" فسبحان الله ما أكثر من أعمى التقليد بصره حتّى حمله على مثل ما ذكر , وفّقنا الله لإتّباع الحقّ أين ما كان وعلى لسان من ظهره "[27] .
ويُفرّق الإمام ابن
القيّم بين هذا النوع والنوع الأوّل : " أنّ الأول قلّد قبل
تمكّنه من العلم والحجّة , وهذ قلّد بعد ظهور الحجّة له , فهو
أولى بالذم ومعصية الله ورسوله "[28] .
النوع
الرابع : تقليد المجتهد الذي ظهر له الحكم باجتهاده مجتهدا آخر يرى خلاف ما ظهر
له[29] , فهذا ليس من
التقليد الجائز بلا خلاف ؛ لأنّ العلماء أجمعوا على أنّ المجتهد إذا ظهر له الحكم باجتهاده لا يجوز له أن
يُقلّد غيره المخالف له[30] .أأأأأأىلااا
يقول الإمام الآمديّ في
الإحكام في أصول الأحكام : " المكلّف إذا كان قد حصلت له
أهليّة الاجتهاد بتمامها في مسألة من المسائل , فإن اجتهد فيها
, وأدّاه اجتهاده إلى حكم فيها , فقد اتّفق الكل على أنّه لا يجوز له تقليد غيره من
المجتهدين , في خلاف ما أوجبه ظنّه وترك ظنّه "[31]
.
النوع الخامس : تقليد
رجل واحد معيّن دون غيره من جميع العلماء , أو مذهب معيّن دون غيره يوافقه على
كلّ ما يقول وإن خالف الأدلّة الشرعيّة الصريحة الصحيحة[32] , يقول الإمام الشنقيطي : هذا النوع من
التقليد " لم يرد به نصّ من كتاب ولا سنة , ولم
يقل به أحد من أصحاب رسول الله , صلّى الله عليه وسلّم , ولا أحد من القرون الثلاثة المشهود لهم
بالخير , وهو مخالف لأقوال الأئمّة الأربعة رحمهم الله ,
فلم يقل أحد منهم بالجمود على رجل واحد معيّن
دون غيره من جميع المسلمين "[33] .
النوع السادس : تتبّع الرخص
والتسهيلات في المذاهب وفتاوى المجتهدين , وذلك كأن يجمع المقلّد في قضايا ما هو أسهل عليه من المذاهب , أو يقع المقلّد في قضية فيها حكم شرعيّ , فلا يُقلّد من يترجّّّح
تقليده من جهة ولايته , أو قوّة دليله ,
أو تقواه , ولكنّه يختار من المفتين في قضاياه من تكون فتواه في القضيّة المعيّنة سهلة على المقلّد جارية على هواه[34]
.
يقول الإمام ابن تيميّة : " إذا
جُوّز للعاميّ أن يُقلّد من يشاء , فالذي يدلّ عليه أصحابنا وغيرهم أنّه لا يجوز له تتبّع الرخص مطلقا "[35] .
ويقول الإمام الشاطبيّ : " ليس
للمقلّد أن يتخيّر في الخلاف ؛ فإنّ ذلك يفضي إلى تتبّع رخص المذاهب من غير استناد إلى دليل شرعي "[36] .
وهذا القسم من التقليد قد وردت
الآيات والآثار في ذمّه , فمن هذه الآيات قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا
أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ
يَهْتَدُونَ } [ البقرة :170 ] . وقال : { وَمَا أَرْسَلْنَا فِي
قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا
إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ } [ سبأ : 34
] , وقال : { وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ
فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ
إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ
وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23
] .
يقول ابن القيّم بعد أن ساق هذه
الآيات مستدلا على فساد هذا القسم من التقليد : " هذا في
القرآن كثير يذمّ فيه من أعرض عمّا أنزله وقنع بتقليد الآباء "[37] .
ومن الأحاديث التي
تُبيّن حرمة هذا القسم من التقليد ما رواه الإمام المزنيّ عن جدّه قال سمعت
رسول الله , صلّى الله عليه وسلّم , يقول : " إنّي لأخاف على أمّتي من بعدي أعمال ثلاثة , قال وما هي يا
رسول الله ؟
قال : أخاف عليهم من
زلّة العالم , ومن حكم جائر , ومن هوى متّبع "[38] .
وقال معاذ بن جبل , رضي الله عنه :
يا معشر العرب كيف تصنعون بثلاث : دنيا تقطع أعناقكم , وزلّة عالم , وجدال
منافق بالقرآن . فسكتوا , فقال : أمّا العالم فإن اهتدى فلا تقلّدوه
"[39] .
يقول الإمام ابن عبد
البر : " وإذا ثبت وصحّ أنّ العالم يخطئ ويزل , لم يجز لأحد أن يفتي ويدين
بقول لا يعرف وجهه "[40] .
ويُعلّق الإمام الشنقيطي على كلام ابن
عبد البر السابق : " وإنّما كان كذلك لأنّ من يقلّد العالم تقليدا أعمى يقلّده فيما زلّ فيه فيتقوّل على الله أنّ تلك الزلّة التي قلّد فيها العالم من دين الله , وأنّها
ممّا امر الله بها رسوله "[41] .
ومنها
الأحاديث التي تبيّن فساد هذا القسم من التقليد ما أخرجه أنّ رسول , صلّى
الله عليه وسلّم : " إنّ الله لا يقبض العلم انتزاعا , ينتزعه من الناس ,
ولكن يقبض العلم بقبض العلماء , فإذا لم يبق عالما
اتّخذ الناس رؤوسا فسُئلوا فافتوا بغير علم , فضلّوا وأضلّوا "[42] . يقول الإمام ابن عبد البر معلّقا على الحديث : " هذا كلّه نفي
للتقليد
, وإبطال له لمن
فهمه وهدى لرشده "[43] .
قلت
حينما تنكر على بعض
الناس إتيانه لمخالفة شرعية ، أو بدعة و توضح له أنه بذلك يخالف
نصوص الكتاب ، و السنة يرد عليك أن يقلد الشيخ الفلاني في هذه المسألة .
أنت
تقول : هذا حرام ، أو بدعة و الدليل : قال الله قال رسوله ، و هو يرد عليك : الشيخ
الفلاني أجاز هذا الأمر
.
هذا هو
التقليد المحرم ..أن تقلد شخصا بعدما يتأكد لك مخالفته للدليل الشرعي وهذا النوع
جاءت ادلة كثيرة تحرمه
القسم الثاني : التقليد
المحمود .
وهو ما سوى الأنواع السابقة , وهو
تقليد من لم تتوفّر فيه شروط الاجتهاد ولا يقدر
على معرفة الحكم الشرعيّ بنفسه , ولا يبقى أمامه إلا أن يتّبع مجتهدا من المجتهدين وتقليده[44] . يقول الإمام الشنقيطيّ :
" أمّا التقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف
فيه أحد من المسلمين , فهو تقليد العاميّ عالما أهلا
للفتيا في نازلة نزلت به , وهذا النوع من التقليد كان شائعا في زمن النبي , صلّى الله عليه وسلّم , ولا خلاف فيه "[45] .
يقول الإمام ابن عبد البر بعد أن ذكر
القسم الأوّل من أقسام التقليد وأقوال أهل العلم في ذمّه : " وهذا كلّه لغير العامّة , فإنّ العامّة لا بدّ لها من تقليد علمائها عند النازلة تنزل بها " إلى أن قال :
" ولم يختلف العلماء أنّ العلماء
عليها تقليد علمائها وأنّهم المرادون بقوله عز وجلّ : { فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} [ النحل : 43] وكذلك لم يختلف العلماء أنّ العامّة لا يجوز لها الفتيا , وذلك والله أعلم بجهلها بالمعاني التي منها
يجوز التحايل والتحريم والقول في العلم "[46] .
ويقول الإمام ابن القيم
بعد أن ذكر أنّ التقليد يُقسم إلى قسمين : " وإلى ما يجب المصير إليه , وإلى
ما يسوغ من غير إيجاب "[47] .
وهذا القسم من التقليد دلّ على
جوازه الأدلّة الشرعيّة من القرآن والسنّة ومدحه
العلماء وقالوا بجوازه , وهو الذي نقصده في بحثنا وسنثبت جوازه في المباحث القادمة
.
المبحث الثالث : حكم
التقليد في الأحكام الشرعيّة .
يرى جمهور العلماء أنّ التقليد في
العقائد وأصول الدين لا يجوز , ولكنّهم اختلفوا في حكم التقليد في
الأحكام الشرعيّة , فمنهم من منع التقليد مطلقا سواء
كان المقلّد مجتهدا أو كان عامّيّا , وفي المقابل نجد أنّ من العلماء من أجاز التقليد للعامّي ومنع المجتهد من التقليد . وفي هذا المبحث سوف أتطرّق إلى أقوال العلماء وموقف الإمام ابن حزم في المسألة مبيّنا الأدلّة التي اعتمد عليها كلّ فريق , وذلك من خلال المطالب التالية :
المطلب الأوّل : المجيزون
للتقليد وأدلّتهم .
المطلب الثاني : المانعون
للتقليد وأدلّتهم .
المطلب الثالث : موقف
ابن حزم من التقليد .
المطلب
الرابع : القول الراجح في المسألة
.
المطلب
الأوّل : المجيزون للتقليد وأدلّتهم .
ذهب جمهور العلماء[48] على جواز
التقليد بالنسبة للعامّي , بل أوجبوه عليه , وفي المقابل حرّموه على المجتهد
القادر على الاجتهاد[49] , قال الإمام ابن تيميّة بعد أن سرد أقوال العلماء في التقليد : " والذي عليه جماهير
الأمّة : أنّ الاجتهاد جائز في الجملة , والتقليد
جائز في الجملة , لا يوجبون الاجتهاد
على كلّ أحد ويُحرّمون التقليد , ولا يوجبون التقليد على كلّ أحد ويُحرّمون الاجتهاد , وأنّ الاجتهاد جائز للقادر على الاجتهاد , والتقليد جائز للعاجز عن الاجتهاد "[50] .
وقال الإمام الشنقيطيّ :
" أمّا التقليد الجائز الذي لا يكاد يُخالف فيه أحد من
المسلمين , فهو تقليد العامّي عالما أهلا للفتيا في
نازلة نزلت به "[51]
.
وقال الإمام ابن قدامة
المقدسيّ : " وأمّا التقليد في الفروع فهو جائز إجماعا "[52] .
قال
الإمام ابن عبد البر : " ولم يختلف العلماء أنّ العامّة عليها تقليد علمائها "[53] .
الأدلّة
التي اعتمد عليها أصحاب هذا القول :
لقد اعتمد أصحاب هذا
القول بأدلّة من القرآن والسنّة والمعقول , ومن هذه الأدلّة :
الدليل الأوّل : قوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}
[ النحل : 43] , قالوا : إنّ الله تعالى يأمر من لا يعلم أن يسأل من يعلم , وهذا يدلّ قطعا على أنّ الناس فيهم العالم والجاهل , وعلى الجاهل أن يسأل العالم عمّا يحتاج إليه ويعرفه , فتكليف
الناس جميعا بأن يكونوا مجتهدين يُخالف ما
تفيده الآية الكريمة[54] , والآية عامّة لكلّ ما لا يُعلم ولكلّ من لا يعلم , فالعامّي الذي لا يعلم , يجب عليه السؤال
, والعمل بموجبه , وهذا هو التقليد[55]
.
يقول الإمام الشنقيطيّ :
" أنّ من جهل الحكم تجب عليه سؤال العلماء والعمل بما أفتوه به "[56] .
الدليل الثاني : قوله تعالى : { وَمَا
كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ
مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ
فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ
لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } [ التوبة : 122 ] . قال الإمام الزركشيّ
: " فأمر بقبول قول أهل العلم , فما كان من أمر دينهم , ولولا أنّه يجب الرجوع إليهم لما كان للنذارة معنى "[57] . فدل ذلك على
جواز التقليد للعامّي .
الدليل الثالث : قوله
تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ } [ النساء : 59 ]
, قالوا : العلماء هم أولو الأمر , لأنّ أمورهم
تنفّذ على الأمراء والولاة[58] , لأنّ
طاعتهم تقليدهم فيما يفتون , وهذا تقليد منهم للعلماء , ولأنّه لولا التقليد لم يكن هناك طاعة تختصّ
بهم[59] .
الدليل الرابع : قوله
تعالى : { وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ
وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا
أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ
} [ التوبة : 100 ] , قالوا : " إنّ تقليدهم إتّباع لهم , ففاعله ممّن رضي
الله عنهم "[60] , وقد قال ابن مسعود , رضي الله عنه : " من كان
منكم مستنّا فليستن بمن قد مات ؛ فإنّ الحيّ لا تُؤمن عليه الفتنة , أولئك أصحاب
محمّد أبر هذه الأمّة قلوبا , وأعمقها علما وأقلّها تكلّفا قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه , وإقامة دينه
فاعرفوا لهم حقّهم وتمسّكوا بهديهم فإنّهم كانوا على الهدي المستقيم "[61]
.
الدليل الخامس : ما رواه الإمام أبو
داود في سننه عن جابر , رضي الله عنه , أنّه قال : " خرجنا في سفر , فأصاب رجلا منّا حجر فشجّه في رأسه , ثمّ احتلم , فسأل أصحابه , فقال
: هل تجدون لي رخصة في التيمّم ؟ فقالوا : ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء . فاغتسل فمات , فلمّا
قدمنا على النبي , صلّ الله عليه وسلّم , اُخبر بذلك فقال : قتلوه قتلهم
الله , ألا سألوا إذ لم يعلموا ,
فإنّما شفاء العيّ السؤال "[62] . قال الزركشيّ بعد سرده للحديث : " فبان
بذلك جواز التقليد "[63] ؛ لأنّ النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , أرشد من لا يعلم إلى سؤال من يعلم[64] .
الدليل السادس : ما صحّ
عن النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , أنّه قال : " فمن أدرك
ذلك منكم فعليه بسنّتي
وسنّة الخلفاء الراشدين المهديّين من بعدي "[65] , وقال : " اقتدوا باللذين من بعدي , أبي بكر وعمر واهتدوا بهدي عمّار
وتمسّكوا بعهد ابن أم عبد "[66] .وهذا تقليد
لهم قطعا , إذ كيف يكون الإقتداء بهم إن لم يكن تقليدا لهم , رضي الله عنهم[67] .
الدليل السابع : قالوا :
إنّ العوام في زمن الصحابة , رضي الله عنهم , والتابعين كانوا إذا نزل بهم حادثة أو وقعت لهم واقعة , يلجؤون إلى المجتهدين من الصحابة أو التابعين , فيسألوهم عن حكم الله في تلك الحوادث والوقائع من غير أن يُنكروا عليه سؤالهم
واستفسارهم , ولم يُنقل عنهم أنّهم أمروا هؤلاء السائلين بان يجتهدوا ليعرفوا الحكم بأنفسهم , فكان ذلك إجماعا
من الصحابة والتابعين على أنّ من لم يقدر على
الاجتهاد لا يُكلّف به , وأنّ طريق
معرفته للأحكام هو سؤال
القادر على الاجتهاد . فتكليف الناس جميعا بالاجتهاد فيه مخالفة لهذا الإجماع[68] .
الدليل الثامن : قالوا :
لا خلاف أنّ طلب العلم من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض سقط عن الباقين
, ولو منعنا التقليد ؛ لأفضى إلى أن يكون من فروض الأعيان , وهذا لم يقل به أحد من أهل العلم ,
بل المنقول عن الصحابة , رضي الله عنهم , والتابعين واهل العلم , أنّ الناس منهم العالم المجتهد ومنهم
العامّي المقلّد[69] .
الدليل التاسع : قالوا : إنّ المجتهد
في الفروع إمّا مصيب , وإمّا مخطئ مثاب على اجتهاده غير آثم[70] لحديث رسول الله , صلّى الله عليه وسلّم : " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران , وإن أخطا فله أجر "[71]
. يقول الأستاذ عبد الكريم النملة في شرحه
على روضة الناظر : " فهذا يٌفيد أنّ المجتهد
في الفروع إذا أخطأ فلا إثم عليه , بل له أجر , فلا
خطر على المقلّد في هذا ... فلذلك جاز التقليد في الفروع "[72] .
الدليل العاشر : قالوا : إنّ تكليف الناس
جميعا بالاجتهاد يُؤدّي إلى شغلهم عن القيام
بمصالحهم الضروريّة , ومعايشهم الدنيويّة , وفي ذلك تعطيل للمصالح , والصنائع والحرف , وخراب الدنيا , وتعطيل
الحرث والنسل , ورفع الاجتهاد والتقليد رأسا , وهو من الحرج والإضرار النفي بقوله تعالى
: { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ الحج : 78 ] وهو عامّ في كلّ حرج وضرار , كونه نكرة في سياق
النفي , وهو عام في المسائل الاجتهاديّة[73]
.
الدليل الحادي عشر : أنّ الاجتهاد
قوّة وملكة لا تكون إلا لخاصّة العلماء الذين توفّرت
لديهم أسبابها , وكملت لهم وسائلها و فإذا كُلّف به من لا يقدر عليه كان ذلك تكليفا له بما ليس في وسعه , والتكليف بما ليس في الوسع لا يجوز شرعا لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ
نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا } [ البقرة : 286 ][74] , وليس للعامّي آلة الاجتهاد في الأحكام ؛ لأنّ الأدلّة
فيها مكتسبة ومقتبسة بالتعليم لا بالقريحة
المطلب
الثاني : المانعون للتقليد وأدلّتهم .
ذهب بعض العلماء إلى القول بعدم
جواز التقليد مطلقا وبأي وجه من الوجوه , ورأوا أنّ الواجب على العامّي هو
النظر والاجتهاد , وأشهر من قال بهذا القول هم
الظاهريّة[75] , ومعتزلة بغداد , والإمام الشوكانيّ[76] وغيرهم
, واستدلّوا على قولهم هذا بأدلّة من القرآن والسنّة , ومن
هذه الأدلّة :
الدليل الأوّل : الآيات القرآنيّة
التي ذمّت تقليد الآباء والرؤساء , ومن هذه الآيات
قوله تعالى : { َكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ
مِّن نَّذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا
عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ } [ الزخرف : 23 ] , قالوا : إنّ
الله تعالى ذكر تقليد الآباء في معرض الذم والمذموم لا يمكن أن يكون جائزا .
ومنها قوله تعالى : {يَوْمَ
تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا
لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا
وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } [ الأحزاب : 66
, 67 ] , ومنها قوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ
اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ
آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [
البقرة : 170 ] .
قال الإمام الشوكانيّ في
تفسيره لهذه الآية : وفي هذه الآية من الذم للمقلّدين , والنداء بجهلهم الفاحش واعتقادهم
الفاسد ما لا يقدر قدره "[77] .
يقول الإمام ابن قيّم
بعد أن ذكر آية الأحزاب : " وهذا نصّ في بطلان التقليد
"[78] . ويقول الإمام ابن عبد البرّ بعد أن سرد الآيات
السابقة : " قال أبو عمر : وقد احتجّ العلماء بهذه الآيات في إبطال التقليد ولم يمنعهم كفر
أولئك من جهة الاحتجاج بها , لأنّ التشبيه لم يقع من جهة
كفر أحدهما وإيمان الآخر , وإنّما وقع التشبيه بين التقليدين
بغير حجّة للمقلّد , كما لو قلّد
رجل فكفر , وقلّد فأذنب , وقلّد آخر في مسألة دنياه
فأخطأ وجهها ؛ كان كلّ واحد ملوما على التقليد بغير حجّة ؛ لأنّ كلّ ذلك تقليد يشبه بعضه بعضا وإن اختلفت الأثام فيه "[79]
.
ويقول الإمام الشوكاني : " فهذه
الآيات وغيرها ممّا ورد في معناه ناعية على المقلّدين
ما هم فيه , وهي وإن كان تنزيلها في الكفار لكنّه قد صحّ تأويلها
في المقلّدين لاتّحاد العلّة , وقد تقرّر في الأصول أنّ الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب , وأنّ الحكم يدور مع العلّة وجودا وعدما "[80] .
ويقول الإمام ابن حزم
مستدلا بالآيات السابقة على بطلان التقليد : " فمن لم يأت بكتاب الله تعالى شاهد لقوله , أو برهن على صدق قوله , وإلا فليس صادقا , لكنّه كاذب آفك , مفتر على الله غزّ وجلّ ,
ومن أطاع سادته وكبراءه وترك ما جاءه عن الله تعالى
وعن رسوله فقد ضلّ , بنصّ القرآن واستحقّ الوعيد
بالنار " إلى أن قال : " هكذا والله يقول هؤلاء الفضلاء الذين قلّدوا أقوام قد نهوهم عن تقليدهم ؛ فإنّهم رحمهم
الله تبرّءوا في الدنيا والآخرة من كلّ من قلّدهم , وفاز
أولئك الأفاضل الأخيار , وهلك المقلّدون لهم , بعد ما سمعوا من الوعيد الشديد , والنهي عن التقليد
, وعلموا أنّ أسلافهم
الذين قلدوا قد نهوهم عن تقليدهم , وتبرّءوا منهم إن فعلوا
ذلك "[81] .
الدليل الثاني : قالوا
إنّ التقليد تقوّل على الله بغير علم وقد نهى الله عن ذلك بقوله تعالى : { يَا
أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ
الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{168}
إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء
وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{169} وَإِذَا قِيلَ
لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللّهُ
قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً
وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 168
, 179 ] , وقال في سورة أخرى مبيّنا حرمة
التقليد : { قُلْ إِنَّمَا
حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن
تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ
} [ الأعراف : 33 ] , وقال في
سورة أخرى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً } [ الإسراء : 36
] . يقول القنّوجيّ : " فصرّح
جلّ جلاله بالتحريم في هذه الأشياء التي
من جملتها التقوّل على الله بغير علم
. . . وأيضا التقليد يوجب إتباع الخطأ ؛ لأنّه جائز
الوقوع من المجتهد , وعلى تقدير وقوعه يجب إتباعه , والدفع بأنّ الخطأ جائز مع إبداء
المستند مسلّم ولكنّه عفو بالنسبة إليه , لورود الدليل الصحيح من المجتهدين أجرا "[82] . ويقول الإمام ابن حزم : " ومن قلّد فقد قال على الله ما لا يعلم , وهذا نصّ كلام ربّ العالمين "[83]
الدليل الثالث : قال رسول الله ,
صلّى الله عليه وسلّم : " طلب العلم فريضة على كلّ مسلم "[84] , وقال
كذلك " اعملوا فكلّ ميسّر لما خُلق له "[85] , قالوا إنّ الحديثين
عامّان في جميع الأشخاص وفي كلّ علم , وعليه فهما يدلان على
وجوب الاجتهاد والنظر[86] .
الدليل الرابع : الحديث
المروي عن الصحابيّ عدي بن حاتم , رضي الله عنه , قال : أتيت النبيّ , صلّى الله عليه
وسلّم وفي عنقي صليب من ذهب , فقال
لي : " يا ابن حاتم الق هذا الوثن من
عنقك " . فألقيته . ثمّ افتتح سورة
براءة فقرأ حتّى بلغ قوله تعالى
: { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ
} [ التوبة : 31 ] . فقلت : يا رسول الله
, ما كنّا نعبدهم . فقال النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم : " كانوا يُحلّون لكم الحرام فتستحلّونه , ويُحرمون عليكم
الحلال فتحرّمونه " . قلت : بلى . قال : " فتلك
عبادتكم "[87] .
قال الإمام ابن حزم :
" فسمّى النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , إتّباع من دون النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , في التحليل والتحريم عبادة , وكلّ من قلّد مفتيا يُخطئ ويصيب , فلا
بدّ له ضرورة أن يستحلّ حراما ويُحرّم حلالا
, وبرهان ذلك تحريم بعضهم ما يحلّه سائرهم , ولا بد أنّ أحدهم يُخطئ , أفليس من
العجب إضراب المرء عن الطريق التي أمره خالقه بسلوكها
, وضمن له بيان نهج الصواب فيها "[88]
.
الدليل الخامس : قالوا لقد ورد
العديد من الآثار من أهل العلم والتي ذمّوا فيها التقليد ومن هذه الآثار : قال ابن
عبّاس , رضي الله عنه : " ويل للأتباع من غمرات العلم , فإنّه يقول من قبل رأيه ثمّ يبلغه عن النبيّ
, صلّى الله عليه وسلّم , فيأخذ به وتمضي الأتباع بما سمعت "
ومنها ما ورد عن معاد , رضي الله عنه :
" أمّا العالم فإن اهتدى فلا تقلّدوه
دينكم , وإن افتتن فلا تقطعوا منه رجاءكم ؛ فإنّ
المؤمن يفتتن ثمّ يتوب " .
قال سليمان الفارسيّ , رضي
الله عنه : " فإمّا زلّة العالم فإن اهتدى فلا تقلّدوه دينكم " .
وقال ابن مسعود , رضي
الله عنه : " ألا لا يقلّدنّ أحدكم دينه رجلا , إن آمن آمن , وإن كفر كفر , فإنّه
لا إسوة في الشر " .
وقال الإمام ابن عبد
الله بن المعتز : " لا فرق بين بهيمة تُقاد ,إنسلن يُقلّد "[89]
وقال الإمام أحمد :
" لا تقلّدني , ولا تقلّد مالكا , ولا الشافعيّ , ولا الأوزاعيّ , ولا
الثوريّ , وخذ من حيث أخذوا "[90] .
يقول الدكتور عمر سليمان الأشقر :
" بعد أن سقنا هذه النصوص عن الأئمّة نتسائل فنقول : هل الذين يزعمون أنّهم مقلّدون على مذهب الأئمّة يتّبعون الأئمّة أم هم مخالفون لهم ؟ والجواب واضح : فاللذي يتّبع
شخصا يسمع له ويطيع , وهؤلاء
لو كانوا متابعين للأئمّة لأخذوا بما أمروهم به من تقديم قول الرسول , صلّى الله عليه
وسلّم , على أقوالهم "[91] .
الدليل السادس : قالوا إنّ العامّي
لو كان مأمورا بالتقليد , فلا يؤمن أن يكون من قلّده
مخطئا في اجتهاده , أو كاذبا فيما أخبره به , فيكون العامّي مأمورا بإتباع الخطأ والكذب , وهذا على الشارع ممتنع[92] .
الدليل
السابع : قالوا : إنّ الفروع والأصول مشتركة
في التكليف بها , فلو جاز التقليد في الفروع لمن ظهر صدقه فيما
اخبر به , لجاز ذلك في الأصول[93] .
المطلب
الثالث : موقف ابن حزم من التقليد .
يُعتبر الإمام ابن حزم , رحمه الله ,
من العلماء القائلين بمنع التقليد , بل المحرّمين له , وقد صرّح برأيه هذا في العديد من كتبه[94] , حيث اعتبره قول محدث في الدين , ولذلك ردّ بشدّة على القائلين بالتقليد من العلماء
, وناقش أدلّتهم وأقام الأدلّة والشواهد التي تؤكّد رأيه
, إذ يقول في المحلّى بالآثار : " ولا
يحلّ لأحد أن يُقلّد أحدا , لا حيّا ولا ميّتا , وعلى كل أحد من الاجتهاد حسب طاقته "[95] .
وقال في كتاب النبذة
الكافية : " والتقليد حرام , ولا يحلّ لأحد أن يأخذ بقول أحد بلا برهان "[96] .
وهو يرى أنّ التقليد كلّّه حرام
سواء كان في العقيدة وأصول الدين أو كان في العبادات
ومسائل الفقه , إذ يقول : " فالتقليد كلّه حُرّم في جميع الشرائع ؛ أوّلها عن آخرها , من التوحيد والنبوّة والقدر والإيمان والوعيد والإمامة والمفاضلة وجميع العبادات والأحكام "[97] . ثمّ إنّ الإمام
ابن حزم يعتبر التقليد بدعة محدثة في الدين حدثت في
القرن الرابع للهجرة[98] , إذ يقول : " وليعلم من قرأ كتابنا أنّ هذه البدعة العظيمة
– نعني التقليد – إنّها حدثت في الناس وابتدئ بها بعد
الأربعين ومائة من تاريخ الهجرة , وبعد أزيد من
مائة عام وثلاثين عام بعد وفاة رسول الله , صلّى الله عليه وسلّّم , وأنّه لم يكن قط في الإسلام قبل الوقت الذي ذكرنا مسلم واحد فصاعدا على هذه البدعة , ولا وُجد فيهم رجل يُقلّد عالما بعينه , فيتّبع أقواله في الفتيا , فيأخذ بها ولا يُخالف شيئا منها , ثمّ ابتدأت هذه البدعة من حين ذكرنا في العصر الرابع في القرن المذموم , ثمّ لم تزل تزيد حتّى عمّـت بعد المائتين من الهجرة عموما طبق الأرض , إلا من عصم الله عزّ وجلّ , وتمسّك بالأمر الأوّل الذي كان عليه الصحابة والتابعون , وتابعوا التابعين بلا خلاف من أحد من أحد منهم . نسأل الله تعالى , أن يُثبّتنا عليه , وألا يعدل بنا عنه , وأن يتوب على من تورّط في هذه الكبيرة من إخواننا المسلمين , وأن يفئ بهم إلى منهاج سلفهم الصالح "[99]
.
ثمّ إنّ الإمام ابن حزم في تحريمه
للتقليد لا يُفرّق بين العالم والعامّي فالكلّ يُحرم عليه التقليد , إذ
يقول : " قال أبو محمّد , رحمه الله تعالى : والعامّي والعالم في ذلك سواء . وعلى
كلّ أحد حظّه الذي يقدر عليه من الاجتهاد "[100]
.
وقال في موضع آخر :
" فإن قال قائل : فكيف يصنع العامي إذا نزلت به نازلة ؟
قال أبو محمّد : فالجواب وبالله
تعالى التوفيق إنّا بيّنّّّّّّّّّّّّّّّّّّا تحريم الله تعالى للتقليد جملة , ولم يخصّ الله تعالى
بذلك عامّيّا من عالم , ولا عالما من عامّي , وخطاب الله تعالى متوجّه إلى كلّ أحد , فالتقليد حرام على العبد المجلوب من بلده , والعامّي
, والعذراء المخدّرة , والراعي في شُغف الجبال , كما هو حرام على العالم المتبحّر ولا فرق , والاجتهاد في
طلب حكم الله تعالى ورسوله , صلّى الله عليه وسلّم ,
في كلّ ما خصّ المرء من دينه , لازم لكلّ من ذكرنا , كلزومه للعالم المتبحّر ولا فرق , فمن قلّد من كل من
ذكرنا فقد عصى الله عزّ وجل , وأثم , ولكن يختلفون في كيفيّة الاجتهاد فلا يلزم المرء منه إلا
مقدار ما يستطيع عليه "[101] .
هذا رأي الإمام ابن حزم
في التقليد , ولكنّ السؤال الذي يُطرح هنا , هل يوجب الإمام ابن حزم الاجتهاد
على العامّي ؟ بمعنى هل يرى أنّ كلّ إنسان يجب عليه أن يكون مجتهدا ؟ أم أنّه يُفرّق بين العالم والعامّي في مسألة التقليد ؟
الصحيح ومن خلال تتبّع
أقوال الإمام ابن حزم في المسألة , أرى – والله أعلم – أنّه فرّق بين العالم والعامّي في المسالة , فهو يرى أنّ مراتب العلم والاجتهاد تختلف من شخص لآخر , ولهذا قال بتحريم الاجتهاد على من ملك آلته , ومن توفّرت عنده أدوات الاجتهاد[102]
.
وفي المقابل نجد أنّ
الإمام ابن حزم لا يوجب الاجتهاد على العامّي , وإنّما يقول أنّ الممنوع بالنسبة
للعامّي وكما يرى الأستاذ أبو زهرة أمران :
" أحدهما : أن
يُقلّد إماما بعينه , فإنّ المقلّد
لهذا الإمام معناه أنّه يتّبع مذهبه ويقول هو شرع
الله تعالى , مع أنّ شرع الله تعالى هو ما اشتمل عليه الكتاب والسنّة .
ثانيهما : أن يقبل فتوى من
غيره من غير أن يسنده إلى كتاب الله تعالى أو سنّة رسوله أو يُقرّر مفتيه أنّ ذلك حكم
الله ؛ فإن قال إنّ هذا مذهب فلان أو فلان يجب
عليه أن يذهب إلى من يقول هذا حكم الله , لا مذهب مالك أو الشافعيّ
, أو أحمد , أو داوود , أو أبي عبد الله جعفر الصادق , وعلى
ذلك نستطيع أن نقول إنّ ابن حزم لا يُطالب العامّي بأن يترك عمله ويتعرّف حكم الله من الكتاب والسنّة مباشرة فيتعطّل العمران بسبب ذلك "[103]
.
يقول الإمام ابن حزم : " فعلى
كلّ أحد حظّه من الاجتهاد , ومقدار طاقته منه , فاجتهاد العامّي إذا سأل العالم على
أمور دينه فأفتاه أن يقول له : هكذا أمر الله
ورسوله ؟ فإن قال له نعم , أخذ بقوله , ولم يلزمه أكثر من هذا البحث , وإن قال لا , أو قال له : هذا قولي , أو قال له : هذا قول مالك أو ابن القاسم أو أبي حنيفة , أو أبي يوسف أو الشافعيّ , أو أحمد , أو داود
, أو سمّى له أحد من صاحب أو تابع فمن دونهما غير النبيّ
, صلّى اللهى عليه وسلّم , أو
انتهزه أو سكت عنه : فحرام على السائل أن يأخذ بفتياه , وفرض عليه أن
يسأل غيره من العلماء وأن يطلبه حيث كان , إذ إنّما يسأل المسلم من سأل من العلماء عن نازلة تنزل به ليُخبره بحكم الله
تعالى , وحكم محمّد , صلّى الله عليه
وسلّم , في ذلك , وما يجب في دين الإسلام في تلك المسألة , ولو علم أنّه
يُفتيه بغير ذلك لتبرّأ منه وهرب عنه "[104] .
فابن حزم , رحمه الله , يجعل
العامّي مراتب , فالعوام عنده ليس في مرتبة واحدة , أدناها أن يكتفي
بأن يُصرّح مفتيه بأنّ ذلك حكم الله تعالى , ثمّ إذا علا في تفكيره قليلا , سأل عن نصّ الحديث , فإن زاد
عن ذلك سأل عن السند , فإن زاد عن ذلك سأله عن طبقة الأسانيد , فإن زاد سأل عن أقوال العلماء . وأقلّ المراتب وهم الأكثرون يكتفون من المفتي أن يقول هذا حكم الله . فابن حزم لا
يُطالب العامّي بما ليس في طاقته , ولكنّه يُطالبه بما هو في طاقته ولا يدعوا إلى تعطيل المصالح , إنّما يُريد عند سؤال العاميّ أهل الذكر أن يفهّموه أنّ ذلك حكم الله , لا حكم إمام
بعينه[105] . يقول الإمام ابن حزم : " فقد
فرض الله عليه – أي العامّي – أن يقول للمفتي إذا أفتاه :
أكذا أمر الله تعالى أو رسوله , صلّى الله عليه وسلّم ؟ فإن قال له المفتي : نعم لزمه القبول . . . . فإذا زاد فهمه فقد زاد اجتهاده , وعليه أن يسأل : أصحّ هذا عن النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم , أم لا ؟ فإن زاد فهمه سأل عن المسند والمرسل والثقة وغير الثقة , فإن زاد سأل عن الأقاويل وحجّّّّّّّّّة كلّ قائل , ويفضي ذلك إلى التدرّج في مراتب العلم "[106]
. وقال في موضع آخر : " وكذلك إنّما نُحرّم إتباع
من دون النبيّ , صلّى الله عليه وسلّم ,
بغير دليل , ونوجب إتّباع ما قام الدليل على وجوب إتّباعا
"[107] .
ممّا
سبق يتبيّن لنا أنّ الإمام ابن حزم , وإذ يقول بتحريم التقليد ومنعه , فإنّه
في حقيقة الأمر يُحرّم التعصّب لأقوال العلماء وتقليدهم بصورة عمياء , واعتبار أقوالهم دليلا لا يجوز الخروج عنه , وتقديم أقوالهم على قول الله وقول الرسول , صلّى الله عليه وسلّم , ولذا فإنّه لا يكون الفرق كبيرا بين ابن حزم وبين العلماء
الذين أجازوا التقليد
, بل أوجبوه على
العامّة
, ولا يكون
الفرق جوهريّا , فقد اتّفق الإمام ابن حزم مع غيره على أنّ العامّي لا يُكلّف تعرّف
الحكم من كتاب الله وسنّة رسوله ؛ لأنّ ذلك يحتاج إلى دراية خاصّة , وتفرّغ طويل , فقد اتّفق ابن حزم
مع غيره على ذلك , ولكن الأئمّة قالوا : إنّ مذهب
العامّي هو مذهب مفتيه , وللمفتي أن يقول له : هذا مذهب فلان فخذ به . أمّا ابن حزم فيقول : لا , بل الواجب أن يقول : هذا حكم الله فخذ به , فيشترط أن يكون المفتي مجتهدا والمستفتي لا يطلب الحكم في مذهب
, إنّما يطلب حكم الله تعالى , وإذا
كان للعامّي حظ من العلم سأل عن الحديث , وإذا كان له حظّ أكثر , سأل عن سنده
, وهكذا "[108]
.
المطلب الرابع : القول
الراجح في المسألة .
بعد أن عرضت أقوال العلماء وموقف
ابن حزم في المسألة , أرى , والله أعلم , أنّ القول الراجح هو ما ذهب إليه
أصحاب القول الأوّل وهم جمهور العلماء , مع التأكيد على
أنّ موقف الإمام ابن حزم من التقليد لا يختلف كثيرا عن قول الجمهور ؛ لأن التعصّب لرأي مذهب أو عالم دون النظر إلى الأدلّة التي اعتمدها صاحب المذهب أو العالم , لا يصحّ ولا يجوز , بل هو من التقليد المذموم عند العلماء كما مرّ بنا سابقا , أمّا التقليد المحمود فهو جائز
, وذلك للأسباب التالية :
السبب الأوّل : رجحان
الأدلّة التي اعتمد عليها أصحاب القول الأوّل , والتي تبيّن جواز التقليد بالنسبة
للعامي بشكل واضح .
السبب الثاني :أنّ
الأدلّة التي اعتمد عليها الفريق الثاني , المانعين للتقليد , محتملة ويمكن
مناقشتها على النحو التالي :
أوّلا : استدلالهم
بالآيات القرآنيّة التي تُحرّم إتّباع الآباء والأجداد والسادات , استدلال في غير محلّّه ؛ لأنّ الذم هنا إنّما هو على التقليد
في العقائد ونحوها ممّا يُطلب فيه العلم[109] , أو ذمّ
للتقليد الأعمى الذي لا يعتمد على دليل
.
ثانيا : قولهم أنّ
التقليد تقوّل على الله بغير علم , يوجّه بأنّ التقليد إتّباع للمجتهد في مسألة
استنبط حكمها من الأدلّة الشرعيّة , المعتمدة في الفقه الإسلاميّ . يقول الإمام الشنقيطي : " أمّا استدلال بعض الظاهريّة كابن حزم ومن تبعه بهذه الآية التي ننحن بصددها - وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ
بِهِ عِلْمٌ -ً وأمثالها من الآيات على منع الاجتهاد في الشرع
مطلقا , وتضليل القائل به , ومنع التقليد من أصله , فهو من وضع القرآن في غير موضعه , وتفسيره بغير معناه , كما هو كثير في
الظاهريّة ؛ لأنّ مشروعيّة سؤال الجاهل للعالم وعمله
بفتياه أمر معلوم من الدين بالضرورة . ومعلوم أنّه كان العامّي يسأل بعض أصحاب النبي , صلّى الله عليه وسلّم , فيفتيه فيعمل
بفتياه , ولم يُنكر ذلك أحد من المسلمين "[110]
.
أمّا ادّعائهم أنّ
التقليد يوجب إتّباع الخطأ من الأقوال ؛ لأنّ المجتهد قد يخطأ . فمردود ؛ لأنّ المجتهد
يفتي بما صحّ عنده من الدليل وما يعتقده صوابا ,
والرسول , صلّى الله عليه وسلّم , بيّن أنّه : " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران , وإن أخطا فله أجر "[111] . ثمّ
إنّنا إذا أوجبنا على العامّي
الاجتهاد في المسائل النازلة , فلا نأمن من
وقوع الخطأ منه , بل هو أقرب إلى الخطأ , لعدم أهليّته
, فيكون المحذور مشتركا[112] .
ثالثا : إنّ اعتمادهم
على حديث رسول الله , صلّى الله عليه وسلم , والذي بيّن
فيه أنّ طلب العلم فريضة على كلّ مسلم , وأنّ الحديث عامّ يوجب
طلب العلم على كلّ مسلم . يُجاب على هذا الحديث بأنّّّ الخطاب وإن كان عامّا فإنّه
يُخصّص على من توافرت فيه شروط الاجتهاد وذلك جمعا بين
الأدلّة التي اعتمد عليها أصحاب الفريق الأوّل[113]
. ثمّ إنّ الحديث بيّن وجوب طلب العلم على المسلم , وإن اعتبرناه عامّا , فهو لا يبيّن حرمة التقليد , فوجوب طلب العلم
, لا يعني أنّ كلّ طالب علم قد يصبح
مجتهدا يستطيع استنباط الأحكام الشرعيّة من مظانّها , ولذا فلا تعارض بين القول بوجوب التقليد
, وبين القول بجواز التقليد , والله أعلم .
وأمّا قول الرسول , صلّّّّّّّى
الله عليه وسلّم , " فالمراد في فعل الطاعات ؛ لأنّ
صدر الحديث يقتضيه ؛ لقول الصحابة , رضوان الله عليهم
لرسول الله , صلّى الله عليه وسلّم , لمّا سألوه عن القدر , فأخبرهم به عليه السلام , فقالوا : ففيم العمل ؟ فقال عليه السلام
: اعملوا , وقاربوا , وسدّدوا , فكلّ ميسّر لما
خُلق له "[114] وهو المراد بالاجتهاد ها
هنا , ولأنّه مطلق ؛ لأنّه فعل
في سياق الإثبات , فيكفي في العمل به صورة , ونحن قد عملنا
به , إمّا في الأعمال الصالحة , وإمّا في أصول الديانات , وأيّما كان فقد خرجنا عن عهدة هذا النصّ , ولم يبق فيه حجّة "[115]
.
رابعا : قولهم : أنّ
الآثار المرويّة عن الصحابة والتابعين والأئمّة وردت بذمّ
التقليد , يوجّه بأنّ آثارهم وردت في ذمّ التقليد
المذموم الذي سبق بيان حرمته , وهذا التقليد لا يقول
به أحد .
أو أنّ ذمّهم هذا كما
يقول الإمام ابن عبد البر : " لغير العامّة , فإنّ العامّة لا بدّ لها من
تقليد علمائها عند النازلة "[116] .
خامسا : أمّا قولهم : إنّ
الفروع والأصول مشتركة في التكليف بها , فلو جاز التقليد في الفروع لمن ظهر صدقه فيما اخبر به , لجاز ذلك في الأصول
, فالجواب عليه كما بيّن الإمام أبو الخطّاب الحنبليّ في
التمهيد : " أنّه جمع بغير
علّة , على أنّ مسائل الفروع يُطلب فيها ما يغلب على ظنّه أنّه الحق , وذلك يحصل للعامّي بقول المفتي كما يحصل للعالم بخبر الواحد عن الرسول , صلّى الله عليه وسلّم .
وجواب
آخر : أنّ مسائل الأصول من التوحيد والنبوّات طرقها عقليّة يحتاج الإنسان
فيها إلى تنبيه يسير ؛ فلا ينقطع عمر الإنسان ومعاشه
فيها , بخلاف الفروع ؛ فإنّها تكثر وتتجدّد , والاجتهاد فيها لا يتمّ إلا بامور شرعيّة لا يمكن ضبطها ومعرفتها إلا
بطول يفضي على ما ذكرنا "[117] , أي يؤدّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّّ ي إلى الانقطاع عن المعاش الذي به قوام الدنيا .
الهوامش
[1]يُنظر : ابن منظور ( ت 711ﮬ ) , جمال الدين محمّد بن مكرم , لسان العرب ,
دار الفكر , بيروت , ط 3 , 1414/1994 , 3/ 366 , الزبيديّ , محمّد مرتضى ,
تاج العروس من جواهر القاموس , دار الفكر , ( د : س ) , 2/474 .
[2]الراغب الأصفهانيّ ( ت 502 ﮬ ) , أبو القاسم الحسين بن محمّد , المفردات
في غريب القرآن , تحقيق : محمّد سيد كيلانيّ , مصر , مطبعة مصطفى البابيّ
الحلبيّ , 1381ﮬ , ص 411 .
[3]يُنظر : الجرجانيّ , السيد الشريف علي بن محمّد , كتاب التعريفات ,
دارالإيمان , الإسكندريّة , 2004م , ص 73 , الحفناوي , محمّد إبراهيم ,
تبصير النجباء بحقيقة التقليد والتلفيق والإفتاء , دار الحديث , القاهرة , ط
1 , 1415/1995 , ص 195 , ابن قدامة ( ت 620ﮬ ) , موفّق الدين عبد الله بن
أحمد بن محمّد , روضة الناظر وجنّ’ المناظر في أصول الفقه , تحقيق : عبد
الكريم بن علي بن محمّد النملة , مكتبة الرشد , الرياض , ط 5 , 1417/1997 ,
3/1017, الشوكانيّ ( ت 1250ﮬ ), محمّد بن علي , إرشاد الفحول إلى تحقيق
الحقّ من علم الأصول , تحقيق : محمّد حسن محمّد حسن , دار الكتب العلميّة ,
بيروت , ط 1 , 1419/1999 , 2/ 327 .
[4]الغزالي ( ت 505ﮬ ) , المستصفي من علم الأصول , تحقيق : محمّد سليمان
الأشقر , مؤسّسة الرسالة , بيروت , ط 1 , 1417/1997 , 2/462 .
[5]الآمدي , سيف الدين أبي الحسن علي بن أبي علي بن محمّد , الإحكام في
أصول الأحكام , دار الفكر , بيروت , ط 1 , 1418/1997 , 2/347 .
[6]أبو الخطّاب الحنبلي ( ت 510ﮬ ) , التمهيد في أصول الفقه , تحقيق : مفيد
محّد أبو عمشة , مؤسّسة الريّان , بيروت , ط 2 , 1421 /2000, 4/395 .
[7]يُنظر : الشنقيطي , محمّد الأمين , مُذكّرة أصول الفقه على روضة الناظر ,
تحقيق : أبي حفص سامي العربي , دار اليقين , مصر , ط 1 , 1419/1999 , ص
533 , النملة , عبد الكريم , إتحافذوي البصائر بشرح روضة الناظر , مكتبة
الرشد , الرياض , ط 1 , 1422/2001 , 4/2626 , البدري , أبو مصعب محمّد ,
شرعة الاجتهاد وبدعة التقليد , دار الكتاب المصري , القاهرة , ط 1 ,
1411/1991 , ص 105 .
[8]الشوكانيّ , إرشاد الفحول , 2/327 , الشوكانيّ , القول المفيد في أدلّة
الاجتهاد والتقليد , تحقيق : أبو مصعب محمّد سعيد البدري , دار الكتاب
المصري , القاهرة , ط 1 , 1411/1991 , ص 17 .
[9]النملة , إتحاف ذوي البصائر , 4/2626 .
[10]الشوكانيّ , إرشاد الفحول , 2/327 .
[11]يُنظر : الغزاليّ , المستصفى , 2/463 , الآمديّ , الإحكام , 347 , ابن
النجّار ( ت 972ﮬ ) , محمّد بن أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحيّ
الحنبليّ , شرح الكوكب المنير , تحقيق : محمّد الزحيليّ , مكتبة العبيكان ,
الرياض , 1413/1993 , 4/532 , التركيّ , عبد الله بن عبد الله المحسن ,
أصولمذهب الإمام أحمد , مؤسّسة الرسالة , بيروت , ط 4 , 1416/1996 , ص 748 .
[12]ابن الهمّام , كمال الدين (879) : التحرير على التقرير في أصول الفقه .
تحقيق : مكتب البحوث والدراسات . بيروت : دار الفكر , ط 1 , 1996, 4/241 .
[13]الشوكانيّ , إرشاد الفحول , 2/327 .
[14]العلوانيّ , طه جابر فيّاض , الاجتهاد والتقليد في الإسلام , دار
الأنصار , القاهرة , ط 1 , 1399/1979 , ص 114 , العمريّ , وميض بن رمزي ,
المنهج الفريد في الاجتهاد والتقليد , دار النفائس , الأردن , ط 1 ,
1419/1999 , ص 221 .
[15]الملاح , الفتوى , ص 381 .
[16]ابن عبد البر ( ت 463ﮬ ) , أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمّد , جامع
بيان العلم وفضله , تحقيق : مسعد عبد الحميد محمّد السعدنيّ , دار الكتب
العلميّة , بيروت , ط 1 , 1421/2000 , ص 393 .
[17]ابن القيّم ( ت 752ﮬ ) , شمس الدين محمد بن ابي بكر بن أيوب , إعلام
الموقّعين عن ربّ العالمين , تحقيق : عصام الدين الصبابطيّ , دار الحديث ,
القاهرة , ط 3 , 1417/1997 , 2/173 .
[18] الملاح , الفتوى , ص 381 .
[19]معشاشة , أبو عبد الرحمن سعيد , المقلّدون والأئمّة الأربعة , دار ابن حزم , بيروت , ط 1 , 1420/1999 , ص 10 بتصرّّف .
[20]الشاطبي ( ت 790ﮬ ) , أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الغرناطي ,
الاعتصام بالكتاب والسنّة , تحقيق : محمّد رشيد رضا , مكتبة الرياض الحديثة
, الرياض , ( د : س ) , 2/342 بتصرّف .
[21]العلواني , الاجتهاد والتقليد , ص 115 .
[22]ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 393 .
[23]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/161 .
[24]المصدر السابق .
[25]المصدر السابق .
[26]العمريّ , المنهج الفريد , ص 257 .
[27]العز بن عبد السلام ( ت 660ﮬ ) , أبو محمّد عبد العزيز , قواعد الأحكام
في مصالح الأنام , دار البيان العربي , الأزهر , ط 1 , 2003م , 2/104 .
[28]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/161 .
[29]الشنقيطيّ , محمّد الأمين بن محمّد المختار , أضواء البيان في إيضاح
القرآن بالقرآن , دار الكتب العلميّة , بيروت , ط 1 , 1421/2000 , 7/319 .
[30]المصدر السابق , 7/319 .
[31]الآمديّ , الإحكام أصول الأحكام , 2/336 .
[32]العمريّ , المنهج الفريد , ص 260 .
[33]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/319 .
[34]العمريّ , المنهج الفريد , ص 255 .
[35]ابن تيميّة ( ت 728ﮬ ), أبو البركات عبد السلام , المسودّة في أصول
الفقه , تحقيق : أحمد بن إبراهيم بن عبّاس , دار ابن حزم , بيروت , ط 1 ,
1422/2001 , 2/ 929 .
[36]الشاطبي , الموافقات في أصول الشريعة , تحقيق : عبد الله درّاز دار المعرفة , بيروت , ط 4 , 1420/1999 , 4/500 .
[37]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/ 162 .
[38]الطبراني ( ت 360ﮬ ) , أبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيّوب , المعجم
الكبير , تحقيق : حمدي عبد المجيد السلفيّ , مكتبة ابن تيميّة , القاهرة , (
د : س ) , 17/50 رقم 14 .
[39]ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 386 .
[40]ابن عبد البر , جامع بيان العلم ,.ص 387 .
[41]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/322 .
[42]ابن ماجه ( ت 273ﮬ ) , أبو عبد الله محمّد بن يزيد القزوينيّ , سنن ابن
ماجه , تحقيق : بشّار عوّاد معروف , دار الجيل , بيروت , ط 1 , 1418/1998 ,
1/79 (52) , [ (1) المقدّمة , (8) باب اجتناب الرأي والقياس ] .
[43] ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 390 .
[44]الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 213 .
[45]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/318 .
[46]ابن عبد البر , جامع بيان العلم وفضله , ص 390 .
[47]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/161 .
[48]يُنظر : ابن قدامة , روضة الناظر , 3/1018 , الآمدي , الإحكام , 2/351 ,
آل تيميّة ,المسودّة , 2/929 , الشوكانيّ , إرشاد الفحول , 2/334 ,
الزركشي ّ, البحر المحيط , 4/563 , بن عقيل ( ت 512ﮬ ), أبو الوفاء علي بن
عقيل بن محمّد , الواضح في أصول الفقه , تحقيق : عبد الله بن المحسن التركي
, مؤسّسة الرسالة , ط1 , 1420/1999 , 5/417 .
[49]تجدر الإشارة أنّ العلماء اختلفوا في المجتهد القادر على الاجتهاد , هل
يجوز له التقليد , أم لا ؟ والراجح من الأقوال جواز ذلك إذا عجز عن
الاجتهاد , إمّا لتكافؤ الأدلّة , وإمّا لضيق الوقت عن الاجتهاد , وإما
لعدم ظهور دليل له , فإنّه من حيث عجز سقط عنه وجوب ما عجز عنه وانتقل إلى
بدله وهو التقليد . يُنظر : ابن تيميّة , مجموع الفتاوى , 20/203 , أبو
الخطّاب الحنبلي , التمهيد , 4/419 , الزركشيّ ( ت 794ﮬ ) , بدر الدين
محمّد بن بهادر بن عبد الله , البحر المحيط في أصول الفقه , تحقيق : محمّد
محمّد تامر , دار الكتب العلميّة , بيروت , ط 1 , 1421/2000 , 4/567 ,
العلوانيّ , الاجتهاد والتقليد , ص125 , التركي , أصول مذهب الإمام أحمد , ص
680 .
[50]ابن تيمية، مجموع فتاوى شيخ الإسلام، دار الرحمة، القاهرة، ( د . س )., 4/203 .
[51]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/318 .
[52]ابن قدامة , روضة الناظر , 3/1018 . قلت : إنّ ادعائه الإجماع على ذلك
تساهل منه , رحمه الله , لوجود من خالف في ذلك , وكان الأصح أن يقول : جواز
ذلك للعامّي عند أكثر العلماء .
[53]ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 390 .
[54]يُنظر : ابن النجّار , شرح الكوكب المنير , 4/540 , الآمديّ , الإحكام , الحفناوي , تبصير النجباء , ص 211 .
[55]التركيّ , أصول مذهب أحمد بن حنبل , ص 762 .
[56]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 3/207 .
[57]الزركشيّ , البحر المحيط , 4/564 .
[58]السبكيّ ( ت 756ﮬ ) , عليّ بن عبد الكافي , الإبهاج في شرح المنهاج ,
دار الكتب العلميّة , بيروت , 1416/1995 , 3/272 , أبو الخطّاب الحنبلي ,
التمهيد , 4/400 .
[59]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/329 وما بعدها .
[60]المصدر السابق , 7/330 .
[61]المصدر السابق , 7/330 .
[62]ابو داود ( ت 275ﮬ ) , أبو سليمان بن الأشعث السجستانيّ , , سنن أبو
داود , تحقيق : عبد القادر عبد الخير , دار الحديث , القاهرة , 1420/1999 ,
1/179 (336) [ (1) كتاب الطهارة , (127) باب في المجروح يتيمّم ] .
[63]الزركشيّ , البحر المحيط , 4/564 .
[64]الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/ 330 .
[65]الترمذي ( ت 279ﮬ ) , أبو عيسى بن عيسى بن سورة , سنن الترمذيّ , تحقيق
: أحمد محمّد شاكر , دار الحديث , القاهرة , ط 1 , 1419/1999 , 4/469
(2676) [ (38) كتاب العلم , (16) باب ما جاء في الأخذ بالسنّة ] .
[66]الترمذي , سنن الترمذيّ , (3805) [ (46) كتاب المناقب , (38) باب مناقب عبد الله بن مسعود ] .
[67] الشنقيطيّ , أضواء البيان , 7/330 .
[68] يُنظر : الغزاليّ , المستصفى , 2/466 , الآمديّ , الإحكام , 2/352 ,
الزركشيّ , البحر المحيط , 4/565 , السبكيّ , الإبهاج , 3/269 , أبو
الخطّاب الحنبليّ , التمهيد , 4/ 399 , النملة , شرحروضة الناظر , 4/2630 ,
الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 211 .
[69]الزركشيّ , البحر المحيط , 4م565 بتصرّف .
[70]ابن قدامة , روضة الناظر , 4/ 1018 .
[71]مسلم (ت 261ﮬ ) , أبو الحسين مسلم بن الحجّاج النيسابوريّ , صحيح مسلم ,
بيت الأفكار الدوليّة , 1419/1998 , ص 713 (1717) [ (30) كتاب الأقضية ,
(5) باب النهي عن كثرة السؤال ] .
[72]النملة , شرح روضة الناظر , 4/ 2630 .
[73] ]ثنظر : الآمديّ , الإحكام , 2/352 , السبكيّ , الإبهاج , 3/270 ,
الزركشيّ , البحر المحيط , 4/565 , ابن عقيل , الواضح في أصول الفقه ,
5/417 , الحفناويّ , تيصير النجباء , ص 212 .
[74]يُنظر : الخطيب البغداديّ ( ت 463ﮬ ) , أبو بكر أحمد بن ثابت , كتاب
الفقيه والمتفقّه , تحقيق : إسماعيل الأنصاريّ , المكتبة العلميّة , ( د: س
) , 2/69 , ابن عقيل , الواضح في أصول الفقه , 5/417 , الحفناويّ , تبصير
النجباء , ص 212 .
[75]سأفرد لموقف الإمام ابن حزم من التقليد مطلبا خاصّا ؛ وذلك من أجل
إبراز رأيه في المسالة لعلاقته المباشرة بحكم تقليده , وسأكتفي في هذا
المطلب عرض آراء المانعين للتقليد مع الأدلّة .
[76]يُنظر : الشوكانيّ , إرشاد الفحول , 2/333 , الآمديّ , الإحكام , 4/351
, الزحيليّ , أصول الفقه , 2/1126 , الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 207 ,
النملة , شرح روضة الناظر , 4/2631 , القنّوجيّ , أبو النصر علي بن صديق
حسن خان , القول السديد في أدلّة الاجتهاد والتقليد , تحقيق : أبو عبد
الرحمن سعيد معشاشة , دار ابن حزم , ط 1 , 1421/2000 , ص 29 .
[77]الشوكاني , فتح القدير الجامع بين فنّي الرواية والدراية من علم
التفسير, مطبعة البابيّ الحلبيّ , القاهرة , ط 2 , 1383/1964 , 1/167 .
[78]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/179 .
[79]ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 384 .
[80]الشوكانيّ , القول المفيد , ص 56 .
[81]ابن حزم , الإحكام , 2/277 .
[82]القنوجي , القول السديد , ص 20 .
[83]ابن حزم , الإحكام , 2/278 .
[84]ابن ماجه , سنن ابن ماجه , 1/215 (225) , [ (1) المقدّمة , (17) باب فضل العلماء والحثّ على طلب العلم ] .
[85]البخاري ( ت 256ﮬ ) , أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل , صحيح البخاريّ ,
دار الفكر , بيروت , 1401/1981 , 7/212 (6605) [ (82) كتاب القدر , (4)
باب وكان أمر الله قدرا مقدورا ] . .
[86]يُنظر : الآمديّ , الإحكام , 4/302 , التركيّ , أصول أحمد , ص 763 ,
الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 208 , الزحيليّ , أصول الفقه , 2/1129 .
[87]الترمذيّ , سنن الترمذي , 5/122 (3095) , [ (44) كتاب تفسير القرآن , (10) باب ومن سورة الأنفال ] .
[88]ابن حزم , الإحكام , 2/283 .
[89]يُنظر : ابن حزم , إبطال التقليد , ص 71 وما بعده , ابن عبد البر , جامع بيان العلم , ص 389 وما بعدها .
[90]ابن القيّم , إعلام الموقّعين , 2/183 .
[91]الأشقر, المدخل إلى دراسة المدارس والمذاهب الفقهيّة , ص 198 .
[92]يُنظر : الآمديّ , الإحكام , 2/352 , الزحيليّ , أصول الفقه , 2/1129 , الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 209
[93]يُنظر :الآمديّ , الإحكام , 2/353 .
[94]من هذه الكتب وعلى سبيل المثال لا الحصر : كتاب " ملخّص إبطال القياس
والرأي والاستحسان والتقليد والتعليل " , ومنها " الجزء السادس من كتاب
الإحكام في أصول الأحكام " , وكتاب " المحلّى بالآثار " 1/85 , وغيرها .
[95]ابن حزم , المحلّى بالآثار , 1/85 .
[96]ابن حزم , النبذة الكافية , ص 85 .
[97]ابن حزم , الإحكام , 2/295 .
[98]ابن حزم , إبطال القياس , ص 52 .
[99]ابن حزم , الإحكام , 2/ 292 .
[100]ابن حزم , النبذة الكافية , ص 88 .
[101]ابن حزم , الإحكام , 2/ 296 ز
[102]أبو زهرة , ابن حزم , ص 273 .
[103]أبو زهرة , ابن حزم , ص 272 .
[104]ابن حزم , الإحكام , 2/296 , ابن حزم , المحلى بالآثار , 1:85 .
[105]أبو زهرة , ابن حزم , ص 273 .
[106]ابن حزم , النبذة الكافية , ص 89 .
[107]ابن حزم , الإحكام , 2/235 .
[108]أبو زهرة , ابن حزم , ص 274 .
[109]الحفناوي , تبصير النجباء , ص 207 .
[110]الشنقيطي , أضواء البيان , 3/422 .
[111]سبق تخريجه ص 46.
[112]يُنظر : الزحيليّ , أصول الفقه , 2/1129 , الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 209 .
[113]]يُنظر : الحفناويّ , تبصير النجباء , ص 208 , الزحيليّ , أصول الفقه , 2/1129 .
[114]سبق تخريجه ص 50 .
[115]القرّافي ( ت 684ﮬ ) , شهاب الدين أبو العبّاس أحمد بن ادريس بن عبد
الرحمن , نفائس الأصول في شرحالمحصول , تحقيق : محمّد عبد القادر عطا , دار
الكتب العلميّة , بيروت , ط 1 , 1421/2000 , 4/610 .
[116]ابن عبد البر , جامع بيان العلم, ص 390 .
[117]أبو الخطّاب الحنبليّ , التمهيد, 4/401 .