الاثنين، 6 يناير 2014

اسقاط دعوى الاجماع على صحة كل مافى البخارى ومسلم








  
تم تحقيق مسألة الاجماع على البخارى ومسلم بشكل اكثر تفصيلا هنا لمن اراد التوسع اكثر
http://ahkam667.blogspot.com/2014/08/blog-post.html




يزعم بعض المتأخرين إجماع جميع علماء الأمة على صحة ما أخرجه البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر

أقول وكم من إجماعٍ نقلوه وهو أبطل من الباطل

نعم، أجمعت الأمة على أن جمهور الأحاديث التي في الصحيحين صحيحة. هذا الذي نقله الحفاظ الكبار وتداولوه. فجاء من بعدهم أقوامٌ ما فهموا مقالتهم، فأطلقوا القول وزعموا أن هذا الإجماع شاملٌ لكل حرفٍ أخرجه البخاري ومسلم بلا استثناء. وصاروا يضللون كل من يخالفهم. ولا حول ولا قوة إلا الله.

واعلم أن هناك أحاديثاً في الصحيحين ضعفها علماءٌ محدثون كثر. وما حصل إجماعٌ على صحة كل حديثٍ في الصحيحين، لا قبل البخاري ومسلم ولا بعدهما. فممن انتقد بعض تلك الأحاديث: أحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأبو داود السجستاني والبخاري نفسه (ضعف حديثاً عند مسلم) وأبو حاتم وأبو زرعة الرازيان وأبو عيسى الترمذي والعقيلي والنسائي وأبو علي النيسابوري وأبو بكر الإسماعيلي وأبو نعيم الأصبهاني وأبو الحسن الدارقطني وابن مندة والبيهقي والعطار والغساني الجياني وأبو الفضل الهروي بن عمار الشهيد وابن الجوزي وابن حزم وابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم والألباني وكثير غيرهم. فهل كل هؤلاء العلماء قد مبتدعة متبعين غير سبيل المؤمنين؟!

فقد ضعّف العقيلي عدداً من أحاديث صحيح البخاري. وعلى سبيل المثال حديث همام بن يحيى في الأبرص. وقد رواه العقيلي في ضعفاءه (4|369) من طريق شيخه البخاري، ثم ضعّفه واعتبره من كلام عبيد بن عمير. هذا رغم اتفاق البخاري (3|1276 #3277) ومسلم (4|2275 #2963) على تصحيحه.

فقد فعل ذلك شيخ الاسلام وبن القيم وحكما علي لفظ( ينشا الله لها خلقا فيسكنوها) بالنكارة وهو في الصحيح وتبعهم الشيخ بن جبيرين وبن عثيمين ايضا في دروسه وقد ضعف بعض الحفاظ احايث في مسلم ايضا

واليك بيان تفصيل ذلك فى كل عصر بيان لوجود علماء تضعف احاديث فى البخارى ومسلم فى كل جيل (مأخوذ من بحث لاحمد لاقطش احد اعضاء ملتقى اهل الحديث )
انتقاد البخاري لبعض ما أخرجه مسلم
وهو على ضروب: فمنها أنه أعلَّ أحاديث بعينها، مثل حديث خلق التربة فقد صحَّحه مسلمٌ (2789) وأعلَّه البخاريُّ في تاريخه الكبير (1317). وكذلك حديث سفيان بن عيينة في إقامة النبي عند أم سلمة ثلاثاً لمَّا تزوجها (1460)، أعلَّه البخاري في تاريخه الكبير (93). وكذلك حديث كريب مولى ابن عباس في حج الصبي (1336)، أعلَّه البخاري في تاريخه الكبير (612). ومنها أنه تَرَكَ أحاديث وقع فيها اختلافٌ وأخرجها مسلم، مثل حديث طلاق الثلاث (1472). قال البيهقي (الكبرى 14974): ((وهذا الحديث أحد ما اختلف فيه البخاري ومسلم، فأخرجه مسلم وتركه البخاري. وأظنه إنما تركه لمخالفته سائر الروايات عن ابن عباس)). اهـ وكذلك حديث صلاة الكسوف ثمان ركعات في أربع سجدات (908 وغيره)، قال البخاري (علل الترمذي ص97): ((أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف: أربع ركعات في أربع سجدات)). اهـ قال ابن تيمية (مجموع الفتاوى 17/236): ((والبخاريُّ سَلِمَ مِن مِثلِ هذا، فإنه إذا وقع في بعض الروايات غلطٌ، ذَكَرَ الروايات المحفوظة التي تُبَيِّنُ غلطَ الغالط)). اهـ ومِنها عدم احتجاجه براوةٍ احتجَّ بهم مسلم، كسهيل بن أبي صالح وحماد بن سلمة وأبي الزبير وآخرين. ومِنها ما كان مِن شرطه في السماع على خلاف مسلم، وهذا الخلاف بينهما معروف.

انتقاد مسلم لبعض ما أخرج البخاري
فمِن ذلك حديث الإسراء الذي رواه شريك بن عبد الله (3570)، فقد أعلَّه مسلم بقوله (162): ((وقدَّمَ فيه شيئاً وأخَّرَ وزاد ونقص)). اهـ ومِنها عدم احتجاجه برواةٍ احتجَّ بهم البخاري، كعكرمة مولى ابن عباس وآخرين. ومِنها انتقاده لشرط البخاري في السماع بين المتعاصرين. وفي ذلك يقول أبو الوليد الباجي [ت 474 هـ] في كتابه "التعديل والتجريح" (1/310): ((وقد أخرج البخاري أحاديث اعتَقَدَ صحَّتَها، تَرَكَها مسلم لما اعتقدَ فيها غيرَ ذلك. وأخرج مسلم أحاديث اعتقد صحَّتها، تركها البخاري لما اعتقد فيها غيرَ معتَقَدِه. وهو يدلُّ على أنَّ الأمر طريقُه الاجتهادُ لِمَن كان مِن أهل العلم بهذا الشأن، وقليلٌ ما هُم)). اهـ

انتقاد أبي زرعة الرازي [ت 264 هـ] لصحيح مسلم
انتقد أبو زرعة تصنيف كتاب مسلم وتكلَّم في بعض رواته وأحاديثه. قال البرذعي في سؤالاته (أبو زرعة وجهوده ص674): ((شهدتُ أبا زرعة ذكر كتاب الصحيح الذي ألفه مسلم بن الحجاج، ثم الفضل الصائغ على مثاله، فقال لي أبو زرعة: "هؤلاء قومٌ أرادوا التقدم قبل أوانه، فعملوا شيئاً يتشوفون به. ألفوا كتاباً لم يُسبقوا إليه، ليقيموا لأنفسهم رياسةً قبل وقتها". وأتاه ذات يومٍ - وأنا شاهدٌ - رجلٌ بكتاب الصحيح مِن رواية مسلم، فجعل ينظر فيه. فإذا حديثٌ عن إسباط بن نصر، فقال لي أبو زرعة: "ما أبعد هذا من الصحيح! يُدخل في كتابه أسباط بن نصر!" ثم رأى في الكتاب قطن بن نسير، فقال لي: "وهذا أطمُّ مِن الأول! قطن بن نسير وصل أحاديث عن ثابت جعلها عن أنس". ثم نظر فقال: "يروي عن أحمد بن عيسى المصري في كتابه الصحيح". قال لي أبو زرعة: "ما رأيت أهل مصرٍ يَشُكُّون في أنَّ أحمد بن عيسى" وأشار أبو زرعة بيده إلى لسانه كأنه يقول: الكذب. ثم قال لي: "يُحدِّث عن أمثال هؤلاء، ويترك عن محمد بن عجلان ونظرائه! ويُطرِّق لأهل البدع علينا، فيجدون السبيل بأن يقولوا لحديثٍ إذا احتُجَّ عليهم به: ليس هذا في كتاب الصحيح". ورأيته يذمُّ وَضْعَ هذا الكتاب ويؤنِّبه. فلما رجعتُ إلى نيسابور في المرة الثانية، ذكرت لمسلم بن الحجاج إنكار أبي زرعة عليه روايته في هذا الكتاب عن أسباط بن نصر وقطن بن نسير وأحمد بن عيسى. فقال لي مسلم: "إنما قلتُ: صحيح، وإنما أدخلتُ مِن حديث أسبط وقطن وأحمد ما قد رواه الثقات عن شيوخهم. إلا أنه ربما وقع إليَّ عنهم بارتفاعٍ، ويكون عندي مِن رواية مَن هو أوثق منهم بنزولٍ، فأقتصر على أولئك. وأصل الحديث معروفٌ مِن رواية الثقات)). اهـ

وقد أعلَّ أبو زرعة أربعة أحاديثٍ أخرجها مسلم في صحيحه:
1- حديث المسح على الخفين والخمار (275)، أعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (12).
2- حديث كان يذكر الله على كل أحيانه (373)، أعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (124).
3- حديث ويلٌ للأعقاب مِن النار (240)، أعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (178).
4- حديث مَن نفَّس عن مؤمنٍ كربةً مِن كرب الدنيا (2699)، أعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (1979).

انتقاد أبي زرعة لأحاديث أخرجها البخاري
مِنها حديث يونس بن يزيد أن النبي صلى بمنى ركعتين (1655) أعلَّه أبو زرعة كما في علل ابن أبي حاتم (408). ومِنها حديث ابن عمر رأيت النبي في ظل الكعبة (6272) أعلَّه كما في سؤالات البرذعي (ص386). ومِنها حديث ابن عباس في جبريل يوم بدر (3995، 4041) أعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (921).

انتقاد أبي حاتم [ت 277 هـ] لأحاديث أخرجها الشيخان
فمِنها حديث تسليم ابن مسعود على النبي في الصلاة أخرجه البخاري (1199 وغيره) ومسلم (538) وأعلَّه أبو حاتم كما في علل ابنه (274). ومِنها حديث أبي هريرة في صيام ثلاثة أيام مِن كل شهر أخرجه البخاري (1178، 1981) ومسلم (721) وأعلَّه كما في علل ابنه (690). ومِنها حديث ضُباعة بنت الزبير أخرجه البخاري (5089) ومسلم (1207) وأعلَّه كما في علل ابنه (803). ومِنها حديث جندب اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم أخرجه البخاري (5060 وغيره) ومسلم (2667) وأعلَّه كما في علل ابنه (1675). ومِنها حديث ابن عمرو لا تكن مثل فلان أخرجه مسلم (1159) وأعلَّه كما في علل ابنه (344). ومِنها حديث يونس بن يزيد أن النبي صلى بمنى ركعتين أخرجه البخاري (1655) وأعلَّه كما في علل ابن أبي حاتم (408). ومِنها حديث محمد بن عمرو بن عطاء في صفة صلاة النبي أخرجه البخاري (828) وأعلَّه كما في علل ابنه (461). ومِنها حديث أبي بكر بن عياش في الاعتكاف في رمضان أخرجه البخاري (2044، 4998) وأعلَّه أبو حاتم كما في علل ابنه (673). ومِنها حديث ابن عمر رأيت النبي في ظل الكعبة أخرجه البخاري (6272) وأعلَّه كما في علل ابنه (864).

انتقاد الترمذي [ت 279 هـ] لحديثٍ في صحيح البخاري
أخرج البخاري حديث ابن مسعود في الاستنجاء بالحجارة (156)، وأعلَّه الترمذي بالاضطراب فقال في سننه (17): ((وهذا حديثٌ فيه اضطرابٌ)). اهـ وقد ذَكَرَ الترمذي أنَّ البخاري - مع كون الحديث مضطرباً - مالَ إلى ترجيح إحدى الروايات وأخرجها في صحيحه، فقال في علله الكبير (11) وهو في سننه أيضاً: ((وكأنه رأى حديثَ زهير أصحَّ، وَوَضَعَ حديث زهير في كتاب الجامع)). اهـ ثم قال: ((ورواية إسرائيل وقيس بن الربيع، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا هو عندي أشبه وأصحُّ)). اهـ

قلتُ: فيَظهر مِمَّا سُقناه عن الشيخين والرازيين والترمذي - وهم كانوا أبناء عصرٍ واحدٍ رحمهم الله أجمعين - عَدَمُ التسليم بصحة ما يصحِّحه هذا أو ذاك، بل كان ديدنهم هو انتقاد الحديث الذي به علَّةٌ أياً كان راويه. فلا مجال إذن لأحدٍ أن يدَّعي إجماع الأئمة في عصر الشيخين على صحة ما أخرجاه في كتابيهما، لأن أقوالهم على خلاف ذلك كما تَبيَّنَ لك. فلم يَبْقَ إلاَّ القول بأن هذا الإجماع إنما انعقد بعد عصر هؤلاء الأئمة. فإن كان ذلك كذلك، فما هو العصر الذي أجمع فيه العلماء على هذا قبل ابن طاهر المقدسي؟
انتقاد ابن عمار الشهيد [ت 317 هـ] لصحيح مسلم
يُعَدُّ أبو الفضل ابن عمار الهروي الشهيد أَقْدَمَ مَن ألَّفَ في نقد الصحيح، فقد جَمَعَ الأحاديثَ التي انتقدها على مسلم في جزء (عِلَل أحاديث في كتاب الصحيح لمسلم بن الحجاج). وقد أعلَّ ابن عمار في كتابه هذا ستةً وثلاثين حديثاً أخرجها مسلم في صحيحه.

انتقاد أبي بكر الإسماعيلي [ت 371 هـ] لحديثٍ في صحيح البخاري
أخرج البخاري في صحيحه حديث أبي هريرة يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة (3350)، وقد طَعَنَ فيه الإسماعيليُّ لمَّا أخرجه في مستخرجه. قال ابن حجر في الفتح (8/500): ((وقد استَشْكَلَ الإسماعيليُّ هذا الحديثَ مِن أصله وطَعَنَ في صحته، فقال بعد أن أخرجه: "هذا خبرٌ في صحته نظرٌ، مِن جهة أن إبراهيم علم أن الله لا يخلف الميعاد. فكيف يَجعل ما صار لأبيه خزياً، مع علمه بذلك!")). اهـ

انتقاد الدارقطني [ت 385 هـ] لأحاديث الشيخين
وهو أَشْهَرُ مِن أن يُذكَر لرسوخ قدمه في هذا الفن. وقد ذَكَرَ انتقاداتِه في ثلاثة مصنَّفاتٍ له: أحدها هو (التتبُّع) قال في أوله (الإلزامات والتتبع ص120): ((ابتداءُ ذِكْرِ أحاديث معلولةٍ اشتمل عليها كتاب البخاري ومسلم أو أحدهما، بَيَّنْتُ عِلَلَها والصوابَ مِنها)). اهـ والثاني هو جزء (بيان أحاديث أودعها البخاري رحمه الله كتابه الصحيح) قال في أوله (ص39): ((ما حَضَرَني ذِكْرُه مِن الأحاديث التي خرَّجها محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في كتابه "السنن الصحاح" عنده، مِمَّا اختُلف في أسانيد بعضها وفي إرسال بعضها وفي إيصالها وفي عدالة ناقليها وجرحهم)). اهـ والثالث ما هو متفرقٌ في كتابه (العلل الواردة في الأحاديث النبوية) وقد توسَّعَ فيه في ذِكر علل الأحاديث. ويُلاحَظ أن الدارقطني في انتقاداته لم يزعم الإحاطة بكل علل الأحاديث التي أخرجها البخاري ومسلم ولا قصد استيعابها: فقد ذَكَر في جزء البخاري أحاديث لم يذكرها في التتبع، كما ذَكَر في كتاب العلل أحاديث لم يذكرها فيهما.

موافقة أبي مسعود الدمشقي [ت 401 هـ] لبعض انتقادات الدارقطني
ألَّف أبو مسعود كتاب (الأجوبة عمَّا أشكل الشيخ الدارقطني على صحيح مسلم بن الحجاج) يدافع فيه عن الأحاديث التي أعلَّها الدارقطني في صحيح مسلم، ولكنه مع ذلك أقرَّه على بعض انتقاداته وسَلَّمَ بها واعتذر للإمام مسلم. وهنا نكتةٌ أنْ لَو كان ثَمَّ إجماعٌ مِن الأمة على صحة ما أخرجه الشيخان، لأَلْزَمه به أبو مسعود ولَمَا احتاجَ إلى الإجابة عن إشكالاته بل ولَمَا وافقه على بعضها!

انتقاد ابن حزم [ت 456 هـ] لحديثين في الصحيحين
كان ابن حزم معظِّماً للصحيحين، ومع ذلك فقد انتقد حديثين فيهما بل حَكَمَ على أحدهما بأنه موضوع. فأما الحديث الأول: فهو حديث الإسراء الذي أخرجه البخاري وأعلَّه مسلمٌ أيضاً. وأما الحديث الثاني: فهو حديث ابن عباس كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان الذي أخرجه مسلم (2501)، فقد حَكَمَ عليه ابنُ حزم بالوضع. قال النووي في شرحه (16/63): ((وقال ابن حزم: "هذا الحديث وهمٌ مِن بعض الرواة، لأنه لا خلاف بين الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج أم حبيبة قبل الفتح بدهرٍ وهي بأرض الحبشة وأبوها كافرٌ". وفي رواية عن ابن حزمٍ أيضاً أنه قال: "موضوعٌ")). اهـ وكلامُ ابن حزمٍ بطوله رواه الحميدي عنه (انظر: مكانة الصحيحين ص388).

انتقاد الغساني الجياني [ت 498 هـ] للصحيحين
ألَّف أبو علي الغساني الجياني وكان رئيس المحدِّثين بقرطبة كتاب (تقييد المهمل وتمييز المشكل) نبَّه فيه - ضمن ما نبَّه - على الأوهام الواقعة في الصحيحين كلٌّ على حدة، ومعظمها متوجِّهٌ إلى الرواة عنهما. وقد تابَعَ الدارقطنيَّ وأبا مسعود الدمشقي في بعض نقدهما للشيخين، وزاد مِن عنده انتقاداتٍ أخرى لم يذكراها ولا نبَّها عليها.

قلتُ: فهؤلاء مِمَّن تقدَّموا ابنَ طاهر، وصنيعُهم موافقٌ لصنيع الأئمة قبلَهم في التعرُّض لعلل الأحاديث التي وقع فيها اختلافٌ في أسانيدها أو متونها، وإن كانت مِمَّا أخرجه الشيخان في كتابيهما وحَكَما بصحته. وهو يدلُّ على أنَّ الأعصُرَ التي تَلَت عصر الشيخين لم يقع اتفاقُ العلماء فيها على قطعية أحاديث الصحيحين ولا على مَنْعِ النظر في أسانيدها، بل إنَّ مِنهم مَن أَفْرَدَ كُتُباً في التنبيه على المعلول منها. والسؤال هنا: إذا ثَبَتَ أنَّ في الصحيحين أحاديث قد اختلفت الأئمة في تصحيحها قطعاً، فكيف يصحُّ ما ادَّعاه ابنُ طاهر بأن المسلمين أجمعوا على صحة ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما؟ مع العلم بأن أقوال هؤلاء العلماء معلومةٌ غير مجهولةٍ، وخلافَهم مشهورٌ غير منكور. ولم يُشَنِّعْ عليهم أحدٌ مِن أهل العلم بزعم مخالفة الإجماع! يقول الإمام أحمد في مسائله (رواية عبد الله ابنه 1587): ((ما يَدِّعي الرجلُ فيه الإجماعَ، هذا الكذبُ. مَن ادَّعى الإجماعَ فهو كذب، لعلَّ الناس قد اختلفوا. هذا دعوى بشر المريسي والأصم. ولكن يقول لا يَعلم الناسَ يختلفون، أو لم يبلغه ذلك ولم ينتهِ إليه. فيقول لا يَعلم الناسَ اختلفوا)). اهـ فهو وإنْ لَمْ يَعلمْ خلافاً في المسألة، لا يجوز له ادِّعاء الإجماع، فكيف وقد وَقَفَ على الخلاف!
ومن المتأخرين
أحمد بن الصديق الغماري [ت 1380 هـ = 1960 م]
قال في كتابه "المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير" (ص137 فما بعد): ((فكم مِن حديثٍ صحَّحه الحفاظ، وهو باطلٌ بالنظر إلى معناه ومعارضته للقرآن أو السنة الصحيحة أو مخالفة الواقع والتاريخ. وذلك لدخول الوهم والغلط فيه على المعروف بالعدالة، بل قد يتعمد الكذب! فإن الشهرة بالعدالة لا تفيد القطع في الواقع. ومنها أحاديث الصحيحين: فإن فيها ما هو مقطوعٌ ببطلانه، فلا تغتر بذلك ولا تتهيَّب الحُكم عليه بالوضع لِما يذكرونه مِن الإجماع على صحة ما فيهما. فإنها دعوى فارغةٌ لا تثبت عند البحث والتمحيص، فإن الإجماع على صحة جميع أحاديث الصحيحين غير معقول ولا واقع)). اهـ

الألباني [ت 1420 هـ = 1999 م]
هاجَمَ الألبانيَّ محمودُ سعيد ممدوح على انتقاده لبعض أحاديث الصحيحين، وَعَدَّهُ بذلك مخالفاً للإجماع، فقال هذا الأخير في كتابه "تنبيه المسلم" (ص7) في جملة ما قال: ((وقد جفَّت الصحف ورُفعت الأقلام عن أحاديث الصحيحين، وإلاَّ كانت الأمةُ - باتفاقها على صحة الصحيح - قد ضلَّت سواء السبيل!)). اهـ فَرَدَّ عليه الألبانيُّ في مقدمة كتابه "آداب الزفاف" فقال (ص54 فما بعد) بعد أن نَقَلَ كلامَه هذا: ((قلتُ: وهذا القول وحده منه يكفي القارئ اللبيب أن يَقنع بجهل هذا المتعالم وافترائه على العلماء المتقدمين منهم والمتأخرين في ادعائه الإجماع المذكور. فإنهم ما زالوا إلى اليوم ينتقد أحدُهم بعضَ أحاديث الصحيحين مِمَّا يبدو له أنه موضعٌ للانتقاد، بغضِّ النظر عن كونه أخطأ في ذلك أم أصاب)). اهـ ثم ذَكَرَ إعلال عبد الله بن الصديق الغماري لحديثين في الصحيح. ثم أَتْبَعَ الألبانيُّ ذلك بِنَقْلِ كلامِ أخيه أحمد بن الصديق الغماري الذي مَرَّ عليك آنفاً، فوافقه وقال (ص60): ((قلتُ: وهذا مِمَّا لا يشك فيه كل باحثٍ متمرسٍ في هذا العلم، وقد كنتُ ذكرتُ نحوَه في مقدمة "شرح الطحاوية")). اهـ ثم ردَّ على قوله بأن الأمة قد ضلَّت إذن عن سواء السبيل، فقال الألباني (ص63): ((فأقول: كلا ثم كلا. إن الأمة لم تضل ولن تضل بإذن الله تعالى، وإنما ضلَّ مَن افترَى عليها ونَسَبَ الاتفاقَ إليها في أمرٍ هم مختلفون فيه)). اهـ

وقد سئل الالبانى رحمه الله هذا السؤال فانظرا لسؤال والاجابة جيدا

السائــل: شيخنــــا.. السؤال هو: هل سبــق للشيخ أن ضعــف أحاديـــث في البخــاري وضعفهــا في كتــاب ما؟

وإن حصــل ذلـك فهـل سبقـك إلى ذلـك العلمـــاء.. نرجـو مع الإشـارة جـزاك الله خيـراً.


الشيــخ رحمـه الله: حـدد إلى ذلك.. إلى مـاذا.. لأن سؤالـك يتضمـن شيئيـن.. هـل سبـق لـك أن ضعفـت شيئـاً مـن أحاديـث البخـاري، وهـل جمعـت ذلـك في كتـاب.. فلمـا ذكـرت هـل سبقـك إلى ذلـك.. ماذا تعنــي؟.. إلى تضعيـف ولاَّ إلى تأليـــف؟

السائـــل: إلى الاثـنـيـــن.

الشيـخ رحمـه الله: أمـا أنــه سبـق لي أن ضعفــت أحـاديـث البخـاري فهـذا الحقيقـة يجـب الاعتـراف بهــا، ولا يجــوز إنكارهـا. ذلـك لأسبـاب كثيــرة جــداً.

أولهـــا: المسلمــون كافـة لا فـرق بيـن عــالم أو متعلــم أو جــاهـل مسلــم.. كلهــم يجمعــون على أنـه لا عصمـة لأحـد بعـد رسـول الله صلـى الله عليـه وسلـم.. وعلـى هـذا مـن النتـائـج البديـهيـة أيضـاً أن أي كتـاب يخطــر في بــال المسلــم أو يسمــع باسمــه قبــل أن يقـف علـى رسـمه لا بـد أن يرســخ في ذهنـه أنـه لا بـد أن يكــون فيــه شـيء مـن الخطــأ، لأن العقيــدة السـابقـة أن العصمــة مـن البشــر لـم يـحـظ بـهـا أحــد إلا رســول الله صلــى الله عليـــه وسلــم.

مـن هنــا يـروى عـن الإمــام الشـافعـي رضــي الله عنــه أنــه قـــال: أبـــى الله أن يتـــم إلاَّ كتــابــــه.

فهـذه حقيـقــة لا تقبــل المنــاقشـــة.. هــذا أولاً .. هـذا كـأصــل.. أمــا كتفريــع فنحــن مـن فضــل الله علينــا وعلـى النــاس لكــن أكثــر النــاس لا يعلمــون، ولكــن أكثــر النــاس لا يشكــرون. قـد مكننــي الله عـز وجـل من دراســة علــم الحديــث.. أصــولاً وفروعــاً وتعليــلاً وتجريحــاً حتــى تمكنــت إلى حـد كبيــر بفضــل الله ورحمتــه أيضــاً أن أعــرف الحديــث الصحيـــح من الضعيــف من الموضــوع من دراستــي لهـذا العلــم. علـى ذلـك طبقــت هـذه الدراســة علـى بعــض الأحـاديــث التـي جـاءت في صحيــح البخــاري فوجـدت نتيجــة هـذه الدراســة أن هنــاك بعـض الأحـاديــث التـي تعتبـر بـمرتبــة الحســن فضــلاً عـن مرتبــة الصحــة فـي صحيــح البخــاري فضــلاً عـن صحيــح مسلــم.

هــذا جــوابـــي عمـــا يتعلـــق بـــي أنـــا..

أمـــا مـا يتعلـــق بغيـــري ممـــا جــاء فـي سؤالــك وهــو هـل سبقــك أحـــد.

فأقـول والحمـد لله سبقــت مـن نــاس كثيريــن هـم أقعــد منـي وأعــرف منــي بــهذا العلــم الشريــف وقدامــى جــداً بنحــو ألــف سنـــة.

فالإمــام الدارقطنـــي وغيــره فقــد انتقـــدوا الصحيحيــن فـي عشرات الأحاديث. أما أنا فلم يبلغ بي الأمر أن أنتقد عشرة أحاديث.

ذلك لأنني وجدت في عصر لا يمكنني من أن أتفرغ لنقد أحاديث البخاري ثم أحاديث مسلم ، ذلك لأننا نحن بحاجة أكبر إلى تتبع الأحاديث التي وجدت في السنن الأربعة فضلاً عن المسانيد والمعاجم ونحو ذلك لنبين صحتها من ضعفها.

بينما الإمام البخاري والإمام مسلم قد قاما بواجب تنقية هذه الأحاديث التي أودعوها في الصحيحين من مئات الألوف من الأحاديث.
هذا جهد عظيم جداً. ولذلك فليس من العلم وليس من الحكمة في شيء أن أتوجه أنا إلى نقد الصحيحين وأدع الأحاديث الموجودة في السنن الأربعة وغيرها غير معروف صحيحها من ضعيفها.

لكن في أثناء البحث العلمي تمر معي بعض الأحاديث في الصحيحين أو في أحدهما فينكشف لي أن هناك بعض الأحاديث الضعيفة.

لكن من كان في ريب من ما أحكم أنا على بعض الأحاديث فليعد إلى فتح الباري فسيجد هناك أشياء كثيرة وكثيرة جداً ينتقدها الحافظ أحمد بن حجر العسقلاني الذي يسمى بحق أمير المؤمنين في الحديث والذي أعتقد أنا وأظن أن كل من كان مشاركاً في هذا العلم يوافقني على أنه لم تلد النساء بعده مثله.

هذا الإمام أحمد بن حجر العسقلاني يبين في أثناء شرحه أخطاء كثيرة في أحاديث البخاري بوجه ما كان ليس في أحاديث مسلم فقط بل وما جاء في بعض السنن وفي بعض المسانيد.

ثم نقدي الموجود في أحاديث صحيح البخاري تارة تكون للحديث كله ، يقال هذا حديث ضعيف وتارة يكون نقداً لجزء من حديث. أصل الحديث صحيح لكن يكون جزء منه غير صحيح.

من النوع الأول مثلاً حديث ابن عباس: قال: تزوج أو نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم.
هذا الحديث ليس من الأحاديث التي تفرد بها البخاري دون صاحبه مسلم ، بل اشتركا واتفقا على رواية الحديث في صحيحيهما.
والسبب في ذلك أن السند إلى راوي هذا الحديث وهو عبد الله بن عباس لا غبار عليه فهو إسناد صحيح لا مجال لنقد أحد رواته ، بينما هناك أحاديث أخرى هناك مجال لنقدها من فرد من أفراد رواته.

مثلاً من رجال البخاري رجل اسمه: فليح بن سليمان ، هذا يصفه ابن حجر في كتابه التقريب أنه صدوق سيئ الحفظ.

فهذا إذا إذا روى حديثاً في صحيح البخاري وتفرد به ولم يكن له متابع ، أو لم يكن لحديثه شاهد يبقى حديثه في مرتبة الضعيف الذي يقبل التقوية بمتابع أو مشاهد.

فحديث ابن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم لا مجال لنقد إسناده من حيث فرد من رواته كفليح بن سليمان مثلاً ، لا كلهم ثقات.

لذلك لم يجد الناقدون لهذا الحديث من العلماء الذين سبقونا بقرون لم يجدوا مجالاً لنقد هذا الحدث إلاَّ في رواية الأول ، وهو صحابي جليل ، فقالوا إن الوهم جاء من ابن عباس ، ذلك لأنه كان صغير السن من جهة ، ومن جهة أخرى أنه خالف في روايته لصاحبة القصة أي زوج النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميمونة.
فقد صح عنها أنه عليه السلام تزوجها وهما حلال.
إذاً هذا حديث وهم فيه رواية الأول هو ابن عباس ، فكان الحديث ضعيفاً وهو كما ترون كلمات محدودات تزوج ميمونة وهو محرم. أربع كلمات ، مثل هذا الحديث وقد يكون أطول منه له أمثلة أخرى في صحيح البخاري.

النوع الثاني: يكون الحديث أصله صحيحاً لكن أحد رواته أخطأ من حيث أنه أدرج في متنه جملة ليست من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
من ذلك الحديث المعروف في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أمتي يأتون يوم القيامة غراً محجلين من آثار الوضوء)) ، إلى هنا الحديث صحيح وله شواهد كثيرة زاد أحد الرواة في صحيح البخاري ((فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل)) ، قال الحافظ بن حجر العسقلاني وعلماء آخرون: هذه الزيادة مدرجة ليست من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ، وإنما هو من كلام أبي هريرة.

إذاً الجواب تم حتى الآن عن الشرط الأول ، أي انتقدت بعض الأحاديث وسبقت من أئمة كثيرين.

أما أنني ألفت أو ألف غيري ، لإانا ما ألفت ، أما غيري فقد ألفوا لكن لا نعرف ايوم كتاباً بهذا الصدد.
هذا جواب ما سألت.


الشيخ العلامة محدث الديار الإسلامية: محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله تعالى رحمة واسعة ، وأسأل الله أن يرحمني معه.

(الشريط التاسع والثلاثون بعد المائة السابعة):

http://www.ibnamin.com/daef_bukhari_muslim.htm

وهذا رابط للعلامة المحدث محمد الامين جمع فيه كل ما انتقد على البخارى ومسلم
http://www.ibnamin.com/daef_bukhari_muslim.htm#_Toc92456638

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق