الخميس، 23 أبريل 2015

هل معلقات البخارى تدخل فى اصل صحيحه ؟









سنبين فى هذا البحث ان مارواه البخارى معلقا ولم يوصله فى موضع اخر من كتابه فهذا الحديث لايكون على شرطه ولايدخل فى اصل صحيحه ولانحكم عليه بالاتصال  وبالتالى فلايكون من روى له البخارى معلقا ثقة عنده من الرواة مالم ياتى متصل فى موضع اخر من كتابه
(البحث ماخوذ بتصرف من بحث للاستاذ العلامة احمد الاقطش)

اولا الادلة التى استدل بها من ذهب الى ان المعلقات ليست متصلة وبالتالى ليست من اصل الصحيح
وهى عبارة عن روايات رواها البخارى عن شيوخه بلفظ قال ثم ذكر الواسطة بينه وبين شيخه فى موضع اخر فذل ذلك على ان قول البخارى قال لاتعنى الاتصال

- 1 حديث جندب في الرجل الذي قتل نفسه. علَّقه البخاري فقال([9]): «وقال حجاج بن منهال». قال ابن حجر([10]): «وقد وَصَلَه في ذكر بني إسرائيل فقال: حدثنا محمد: حدثنا حجاج بن منهال، فذكره([11]). وهو أحد المواضع التي يُستدلُّ بها على أنه ربما علَّق عن بعض شيوخه ما بينه وبينه فيه واسطة». اهـ وقال أيضاً([12]): «وهو مِن المواضع التي يُستدلُ بها على أنه قد يعلِّق عن بعض شيوخه ما لم يسمعه مِنهم». اهـ
- 222 2 حديث أبي هريرة في الثلاثة في بني إسرائيل. علَّقه البخاري فقال([13]): «وقال عمرو بن عاصم». قال ابن حجر([14]): «وقد أسنده المؤلفُ في أواخر أحاديث الأنبياء في ذكر بني إسرائيل عن أحمد بن إسحاق، عن عمرو بن عاصم([15]). وهو أحد الأحاديث التي يُستدلُّ بها على أنَّ البخاري ربما علَّق عن بعض شيوخه الذين سمع مِنهم ما لم يسمعه مِنهم». اهـ وقال أيضاً([16]): «وقد يَتمسَّك به مَن يقول إنه قد يُطلق (قال) لبعض شيوخه فيما لَمْ يسمعه مِنه ويكون بينهما واسطة». اهـ
-  3 حديث أبي هريرة في محبة الله للعبد. علَّقه البخاري فقال([17]): «وتابَعه أبو عاصم». قال ابن حجر([18]): «وقد وصلها في الأدب عن عمرو بن علي، عن أبي عاصم([19]). وساقه على لفظه هنا. وهو أحد المواضع التي يُستدلُّ بها على أنه قد يعلِّق عن بعض مشايخه ما هو عنده عنه بواسطة، لأنَّ أبا عاصم مِن شيوخه». اهـ
- 4  حديث عمرو بن تغلب في العطاء. علَّقه البخاري فقال([20]): «وزاد أبو عاصم». قال ابن حجر([21]): «وقد تقدَّم موصولاً في أواخر الجمعة عن محمد بن معمر، عن أبي عاصم([22]). وهو مِن المواضع التي تمسَّك بها مَن زعم أنَّ البخاري قد يعلِّق عن بعض شيوخه ما بينه وبينهم فيه واسطة، مِثل هذا. فإنَّ أبا عاصم شيخه، وقد علَّق عنه هذا هنا. ولمَّا ساقه موصولاً، أدخل بينه وبين أبي عاصم واسطة». اهـ
- 5 حديث زيد بن ثابت في صلاة الليل. علَّقه البخاري فقال([23]): «قال عفان». قال ابن حجر([24]): «أسنده في كتاب الاعتصام عن إسحاق، عن عفان به([25]). وهو أحد المواضع التي يُستدلُّ بها على أنه يُعلِّق عن شيوخه ما لم يسمع مِنهم». اهـ
- 6 أثر ابن عباس في معاوية بن أبي سفيان. علَّقه البخاري في تاريخه الكبير فقال([26]): «قال إبراهيم بن موسى فيما حدَّثوني عنه». قال ابن حجر([27]): «وقد رأيته علَّق في تاريخه عن بعض شيوخه شيئًا، وصرَّح بأنه لم يسمعه مِنه. فقال في ترجمة معاوية: (قال إبراهيم بن موسى - فيما حدثوني عنه - عن هشام بن يوسف)، فذكر خبراً». اهـ وهو مِن المواضع التي استأنس بها ابن حجر مِن خارج الصحيح.
يتبع
هوامش هذا الجزء
[9]- صحيح البخاري 1364.
[10]- فتح الباري 3/227.
[11]- صحيح البخاري 3463.
[12]- تغليق التعليق 2/495.
[13]- صحيح البخاري 6653.
[14]- تغليق التعليق 5/198.
[15]- صحيح البخاري 3464.
[16]- فتح الباري 11/540.
[17]- صحيح البخاري 3209.
[18]- فتح الباري 6/309.
[19]- صحيح البخاري 6040.
[20]- صحيح البخاري عقب 3145.
[21]- فتح الباري 6/254.
[22]- صحيح البخاري 923.
[23]- صحيح البخاري عقب 731.
[24]- تغليق التعليق 2/304.
[25]- صحيح البخاري 7290.
[26]- التاريخ الكبير للبخاري 7/326.
[27]- تغليق التعليق 2/9.


ثانيا اقوال العلماء فى ان المعلقات لها حكم الانقطاع وبالتالى لاتكون على شرط البخارى
كان أوَّلَ مَن نَبَّه على هذا الصنيع هو أبو بكر الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري، فكان يقول في تعاليق البخاري: «أخرجه بلا خبر» يعني لَمْ يُسنده. ولِعِلْمِه بأنَّ هذا التعليق قد أَخَلَّ باتصال السند، لَمْ يَجْعَلْه الإسماعيليُّ على شرط الصحيح حتى وإن كان الراوي المعلَّقُ عنه مِن شيوخ البخاري. فتجده يقول في حديثٍ لجرير بن حازم علَّقه البخاري عن شيخه أصبغ بن الفرج(فتح الباري 9/590.): «لَمْ يُخرج البخاريُّ في الباب حديثًا صحيحًا على شرطه: أمَّا حديث حماد بن زيد .. فجاء به موقوفًا .. وأمَّا حديث جرير بن حازم، فذكره بلا خبر. وأمَّا حديث حماد بن سلمة، فليس مِن شرطه في الاحتجاج». اهـ
فهذا القول صريحٌ في بيان مذهب الإسماعيلي في معرفة شرط البخاري في كتابه: إذ نَصَّ على أنَّ الآثار الموقوفة، والأحاديثَ التي علَّقها البخاري عن شيوخه وبالتالي مَن فوقَهم، والرواةَ الذين استشهد بهم – جميع ذلك ليس على شرطه. وهذا هو الصواب في هذه المسألة، وهو ما قرَّره ابن حجر كما سَلَفَ، وإنْ خالَفَ بعضَه لاحقًا كما ستعرف.

وكان العلماء قَبْلَ ابن الصلاح كما سيتبيَّن لك موافقين للإسماعيلي فيما ذَهَبَ إليه وقرَّره، فمِنهم مَن اكتفى بالتنبيه على انقطاع السند ومِنهم مَن تكلَّم على شرط البخاري في صحيحه. فقال ابن القطان في أحد الأحاديث(بيان الوهم والإيهام 4/178.): «وهذا إنما هو شيءٌ علَّقه البخاريُّ ولَمْ يُوصل إسنادَه. وهو دائبًا يُعَلِّق في الأبواب مِن الأحاديث ما ليس مِن شرطه، ويَكتب توصيلَ بعضِ ذلك الرواةُ عنه في حاشيةِ الموضع، ولا يُعَدُّ ذلك مِمَّا أَخرجَ». اهـ وقال أبو العباس القرطبي عصريُّ ابنِ الصلاح في رسالته في السماع عن حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار(كشف القناع عن حُكم الوجد والسماع ص36): «لكنه لَمْ يُسنده ليُفرِّق به بين ما كان على شرطه في أصل الكتاب وبين ما ليس كذلك». اهـ

أبو عبد الله بن منده [ت 395 هـ]
لَمْ يَحمل ابنُ منده روايةَ البخاري عن شيوخه بصيغة «قال فلان» على السماع، بل حَكَمَ بانقطاعها بأنْ جَعَلَها مِن التدليس. فقال في جزءٍ له في اختلاف الأئمة في القراءة والسماع والمناولة والإجازة([6]): «أخرج البخاري في كتبه الصحيحة وغيرها: (قال لنا فلان) وهي إجازة، و (قال فلان) وهو تدليس. قال: وكذلك مسلم أخرجه على هذا». اهـ ويقصد به أنَّ البخاري يروي هذه الأحاديث بواسطةٍ بينه وبين هؤلاء الشيوخ، فحَذَفَ الواسطةَ ولَمْ يُصرِّح بالتحديث. فسَمَّى صنيعَ البخاري هذا تدليسًا على وفق اصطلاح المحدِّثين.

قال ابن حجر([7]): «وأمَّا قول ابن منده: "أخرج البخاري (قال) وهو تدليس"، فإنما يعني به أنَّ حُكم ذلك عنده هو حُكم التدليس، ولا يلزم أن يكون كذلك حُكمه عند البخاري». اهـ ثم قال ابن حجر في مكانٍ آخر([8]): «والذي يَظهر لي أنَّ مراد ابن منده أنَّ صورته صورة التدليس لأنه يورده بالصيغة المحتملة ويوجد بينه وبينه واسطة، وهذا هو التدليس بعينه». اهـ ولَمْ يوافِق ابنَ منده أحدٌ في إطلاق هذه التسمية على تعاليق البخاري، وإن كان في كلام زين الدين العراقي ما يؤيده على ما سيأتي في موضعه.

أبو نصر الكلاباذي [ت 398 هـ]
سَمَّى الكلاباذيُّ ما يعلِّقه البخاري إرسالاً، سواءٌ في ذلك ما علَّقه عن شيوخه أو مَن فوقَهم. فقال في أوَّل كتابه عن رجال البخاري في تعداد أصناف الرواة الذين أخرج لهم([9]): «مَن قال في أول إسناده: (وقال فلان) وأرسل ذلك عن مَن قد رآه وسمع مِنه وحدَّث عنه في الجامع وغيره، ولم يضفه إلى نفسه». اهـ فقوله: «عن مَن قد رآه وسمع مِنه وحدَّث عنه» صريحٌ في كونهم مِن شيوخه، ومع ذلك جعل الكلاباذي روايته عنهم مرسلةً. ولذلك مَيَّزَ بين الرواة الذين أخرج لهم البخاري بصيغة التحديث وبين الرواة الذين أخرج لهم بصيغة التعليق كما رأيتَ. فَوَصْفُ الكلاباذي تعليقَ البخاري هذا بأنه إرسالٌ هو صريحٌ في الانقطاع، وهو في هذا على وفق اصطلاح القدماء. وهذا الوصفُ أَلْيَقُ مِن وَصْف ابن منده، وإن اتحدا في الصورة.

أبو نعيم الأصبهاني [ت 430 هـ]
كان مِن عادة أبي نعيم في مستخرجه هو أيضًا أن يقول في تعاليق البخاري: «ذكره البخاري بلا رواية» يعني لَمْ يصل إسناده. قال ابن حجر في معرض كلامه على تعليق البخاري عن شيوخه إنَّ الحميدي لم يكن أوَّلَ مَن نَبَّه على ذلك([10]): «فقد سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخُ شيخِه، فقال في المستخرج عقب كل حديثٍ أورده البخاري عن شيوخه بصيغة (قال فلان كذا): "ذكره البخاري بلا رواية"». اهـ وقال أيضاً([11]): «عادته إذا وَقَعَ بصيغة (قال) مجرَّدةً، أن يقول: "أخرجه بلا رواية" يعني صيغة صريحة». اهـ وقال أيضاً([12]): «وقال أبو نعيم في المستخرج: "ذكره البخاري بلا رواية" يعني معلَّقًا». اهـ

وهذا عند أبي نعيم حُكمه الانقطاع، لا فرق بين ما علَّقه البخاريُّ عن شيوخه وعمَّن فوقَهم، إذ في كُلٍّ لَمْ يَذكر سماعًا. فقد قال في حديث ابن عمر في بول الكلاب في المسجد الذي علَّقه البخاري عن شيخه أحمد بن شبيب([13]): «رواه البخاري بلا سماع». اهـ وهذا كما ترى خلافًا لمذهب ابن الصلاح ومَن وافَقَه. قال ابن حجر في أحد الأحاديث([14]): «قوله: (وقال عفان) هو ابن مسلم الصفار. وهو مِن شيوخ البخاري، لكن أكثر ما يُخرج عنه بواسطة. وهو مِن المعلَّقات التي لم يصلها في موضعٍ آخر، وقد جزم أبو نعيم أنه أخرجه عنه بلا رواية. وعلى طريقة ابن الصلاح يكون موصولاً». اهـ فهذا صريحٌ مِن ابن حجر في أنَّ مذهب أبي نعيم في مسألتنا هو الانقطاع بخلاف مذهب ابن الصلاح. ولذلك قال السخاوي([15]): «وقال الذهبي: "حُكمه الانقطاع". ونحوه قول أبي نعيم: "أخرجه البخاري بلا رواية"». اهـ
يتبع
هوامش هذا الجزء
[6]- التقييد والإيضاح ص34 واللفظ له ونكت الزركشي 3/479.
[7]- نكت ابن حجر 2/602.
[8]- فتح الباري 10/53.
[9]- رجال البخاري للكلاباذي ص24.
[10]- نكت ابن حجر 2/602.
[11]- فتح الباري 13/506.
[12]- السابق 2/140.
[13]- التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن 4/250.
[14]- فتح الباري 10/158.
[15]- فتح المغيث للسخاوي 1/79.

المهلب بن أبي صفرة [ت 435 هـ]
الأحاديث المقطوعة عند المهلب بن أبي صفرة هي المنقطعة على وفق اصطلاح القدماء، وهي التي لم تتصل أسانيدها. وقد أَطلَقَ المهلَّبُ ذلك الوصف على تعاليق البخاري لأنه لَمْ يُسندها ولَمْ يَذكر مِمَّن سمعها، ولَم نجده فَرَّقَ بين ما علَّقه البخاري عن شيوخه وبين ما علَّقه عمَّن فوقَهم لأنه في كُلٍّ لَمْ يَذكر سماعًا. ولذلك حَكَمَ المهلبُ بانقطاع حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار لأنَّ البخاري لَمْ يُسنده.

يقول المهلب في مختصره لصحيح البخاري([1]): «وأحاديث مقطوعة لَمْ يُسْنِدْها كحديث: "إنْ لقيتم فلانًا وفلانًا فأحرقوهما بالنار" وحديث ابن عباس: "ليس السعي بين الوادي بين الصفا والمروة بسُنَّة". قال فيهما البخاري: "وقال ابن وهب"، ولَمْ يَذكر مَن حَدَّثه عنه». اهـ وقال أيضاً([2]): «ولمَّا خَرَّجْتُ مِن الأحاديثِ الأكملَ، ورَكَّبْتُ مِنها المُشَتَّتَ فاتَّصَلَ، أَلْفَيْتُ الذي صدَّر به مِن الحديث في أوائل الأبواب مقطوعًا، وأكثرها في الكتاب مسندًا في غير تلك الأبواب المصدَّر بها فيها». اهـ وقال في حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار([3]): «هذا الحديث لم يُسنده البخاري». اهـ قلتُ: فيتبيَّن مِن هذا أنَّ مذهب المهلب في مسألتنا هو بخلاف مذهب ابن الصلاح أيضًا.

ابن حزم الظاهري [ت 456 هـ]
موقف ابن حزم مِن حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار مشهورٌ، حتى إنَّ المتأخرين مِن العلماء ينسبون القول بالانقطاع إليه لكونه أَوَّلَ مَن أَعَلَّ الحديث صريحًا، مع أنه مسبوقٌ كما رأيتَ. يقول ابن حزم في رسالته في الغناء([4]): «وأمَّا حديث البخاري فَلَمْ يُورده البخاري مسندًا، وإنما قال فيه: (قال هشام بن عمار)». اهـ وقال في المحلَّى([5]): «وهذا منقطعٌ لَمْ يَتَّصل ما بين البخاري وصدقة بن خالد». اهـ قلتُ: قوله «صدقة بن خالد» سهوٌ مِنه والمقصود هو هشام بن عمار شيخ البخاري، ولذلك أصلحه ابنُ الصلاح في نَقْلِه عنه([6]).

وقد رأى الزركشيُّ أنَّ موقف ابن حزم مِن حديث المعازف مناقضٌ لِمَا قَرَّره هو نفسه مِن أنَّ الراوي إذا رَوَى عن شيخه بصيغة «قال» فهو محمولٌ على الاتصال. فقال الزركشي([7]): «أطلقه ابنُ حزم فقال في كتاب الإحكام: "وإذا عُلم أنَّ العدل قد أَدرك مَن رَوَى عنه مِن العدول، فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: (أخبرنا) أو (حدثنا) أو (عن فلان) أو (قال فلان)، كل ذلك محمولٌ على السماع منه". انتهى. وهذا قد يشكل على تعليله حديث المعازف الآتي». اهـ ثم قال بعد ذلك([8]): «وقد قال ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الفقه إنَّ (قال) محمولةٌ على السماع إذا عُلم إدراك الراوي للقائل، فكيف يجعله هنا منقطعًا!». اهـ

ووافقه في هذا الاعتراض ابنُ حجر، فقال([9]):«قال ابن حزم في كتاب الإحكام: "اعلم أنَّ العدل إذا رَوَى عَمَّن أدركه مِن العدول، فهو على اللقاء والسماع، سواء قال: (أخبرنا) أو (حدثنا) أو (عن فلان) أو (قال فلان)، فكل ذلك محمولٌ على السماع منه". انتهى. فيُتعجَّب مِنه مع هذا في رَدِّه حديث المعازف ودعواه عدم الاتصال فيه!». اهـ

ولا وجه هنا لاعتراض الزركشي ومِن بَعده ابن حجر، فقد قَيَّدَ ابنُ حزم قولَه هذا بقيدٍ أسقطاه مِن نَقْلِه اختصارًا وزَعَما أنَّ ابن حزم أطلقه. يقول ابن حزم في الإحكام([10]): «وإذا عَلِمنا أنَّ الراوي العدل قد أَدرك مَن رَوَى عنه مِن العدول، فهو على اللقاء والسماع. لأنَّ شرطَ العدلِ القبولُ، والقبول يضاد تكذيبه في أن يُسند إلى غيره ما لم يسمعه مِنه، إلاَّ أن يقوم دليلٌ على ذلك. وسواء قال: (حدثنا) أو (أنبأنا)، أو قال: (عن فلان)، أو قال: (قال فلان)، كل ذلك محمولٌ على السماع منه». اهـ فقوله: «إلاَّ أن يقوم دليلٌ على ذلك» أي على أنه رَوَى عن هذا الشيخ ما لَمْ يسمعه مِنه. فعُلم أنَّ ابن حزم في حُكمه بالانقطاع على تعليق البخاري عن شيخه قد أَخْرَجَ هذه التعاليق مِن ذلك الحُكم، لِمَا عُلِم مِن طريقة البخاري في إيراده للأحاديث المسندة في صحيحه كما مَرَّ عليك. وقد يؤخذ مِن ذلك أنَّ قولَ ابنِ حزم هذا متجهٌ إلى الرواة القدماء دون أصحاب التصانيف اللاحقة.

أبو الوليد الباجي [ت 474 هـ]
لَمَّا ذَكَرَ الباجي ترجمة عمران القطان في كتابه عن رجال البخاري، نبَّه على أنَّ البخاري إنما علَّق حديثه عن شيخه عبد الله بن رجاء وليس هو مِمَّا سمع. فقال الباجي في هذا الحديث([11]): «لم يسمعه البخاري، وإنما يقول في غزوة ذات الرقاع: (قال عبد الله بن رجاء)». اهـ وعبد الله بن رجاء هو مِن شيوخ البخاري الذين سمع مِنهم وحدَّث عنهم في الصحيح. وقول الباجي: «لم يسمعه» أصرح في الانقطاع مِن قولهم: «لم يسنده»، لأنه قد يكون مسموعًا عنده ولكنه تعمَّد عدم إسناده. فهذا يدلُّ على أنَّ مذهب أبي الوليد في هذه التعاليق أنها ليست مِن مسموعات البخاري، وهذا صريحٌ في الانقطاع.

أبو عبد الله الحميدي [ت 488 هـ]
كان الحميدي في الجمع بين الصحيحين إذا علَّق البخاريُّ حديثًا ولَمْ يُسنده، يُنبِّه عليه بقوله: «أخرجه البخاري تعليقًا»، لا فرق بين ما علَّقه عن شيوخه وعَمَّن فوقهم. فقال في حديثٍ علَّقه البخاري([12]) عن شيخه حجاج بن منهال([13]): «وأخرجه البخاري تعليقًا بلا إسناد فقال: "وقال حجاج بن منهال"». اهـ قلتُ: فقوله «بلا إسناد» هو كقولِ الإسماعيلي «بلا خبر» وقولِ أبي نعيم «بلا رواية»، وهو صريحٌ في كونه منقطعًا.

قال ابن الصلاح([14]): «التعليق الذي يذكره أبو عبد الله الحميدي صاحب الجمع بين الصحيحين وغيرُه مِن المغاربة في أحاديثَ مِن صحيح البخاري قُطِعَ إسنادُها - وقد استعمله الدارقطنيُّ مِن قبلُ - صورته صورة الانقطاع، وليس حُكْمُه حُكْمَه». اهـ قلتُ: هذا التفريق المصطنع بين صورة التعليق وحُكمه لا أعلم أحدًا مِن العلماء قال به قَبْل ابن الصلاح، بل جاء كلامهم على تلك التعاليق مِن باب التنبيه على عدم اتصالها لكون أسانيدها قُطعت. فكيف يكون التعليقُ عندهم انقطاعًا واتصالاً في آن!

قال ابن حجر([15]): «وقد جَزَمَ العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقًا، إلا أنه وافق ابنَ الصلاح في الحكم بالصحة لِمَا جَزَمَ به، وهو موافقٌ لِمَا قرَّرناه. على أنَّ الحميدي لم يخترع([16]) ذلك، فقد سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخ شيخه». اهـ قلتُ: فهذا صريحٌ مِن ابن حجر في أنَّ مذهب الحميدي هو نفس مذهب أبي نعيم بانقطاع السند، خلافًا لمذهب ابن الصلاح.

أبو بكر بن العربي [ت 543 هـ]
لابن العربي شرحٌ على البخاري مفقود([17])، وقد ذَكَرَ فيه أن تعليق البخاري عن أحد شيوخه هو انقطاعٌ في السند. قال الزركشي([18]): «واعلم أنَّ اعتراض ابن حزم بذلك ساعده عليه صاحبه الحميدي في الجمع بين الصحيحين، فإن البخاري قال: (وقال عثمان بن الهيثم: حدثنا عوف، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: وكَّلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو مِن الطعام) وذكر الحديث. فقال الحميدي: "أخرجه البخاري تعليقًا". بل قال ابن العربي: "أخرجه البخاري مقطوعًا"». اهـ وقال ابن حجر في شرح ذلك الحديث([19]): «هكذا أَوْرَدَ البخاريُّ هذا الحديثَ هنا، ولم يصرِّح فيه بالتحديث. وزَعَمَ ابنُ العربي أنه منقطع». اهـ وقال السخاوي([20]): «وعلى الحُكم بكونه تعليقًا مشى المزيُّ في أطرافه، ولم يقل إنَّ حكمه الانقطاع. ولكن قد حَكَمَ عبدُ الحق وابن العربي السني بعدم اتصاله». اهـ قلتُ: وعبد الحق هو الإشبيلي الآتي ذِكرُه.

عبد الحق الإشبيلي [ت 582 هـ]
لَمَّا ذَكَرَ عبدُ الحق في الجمع بين الصحيحين حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار، قال([21]): «ولَم يصل سنده بهذا الحديث». اهـ فهذا حُكمٌ مِنه على السند بالانقطاع كما نبَّه السخاوي، ولَمْ يَحمله على الاتصال مع أنَّ هشام بن عمار مِن شيوخ البخاري الذين سمع منهم.

ابن القطان [ت 628 هـ]
تعاليق البخاري عند ابن القطان ليست على شرط الصحيح لكونها منقطعة الأسانيد، وإنما يُعتدُّ بما أسنده البخاري لا ما علَّقه. وهو نفس ما قَرَّره الإسماعيلي مِن قبلُ كما ذكرنا، وهو الأصل في هذه المسألة. يقول ابن القطان في أحد الأحاديث([22]): «وهذا إنما هو شيءٌ علَّقه البخاريُّ ولَمْ يُوصل إسنادَه. وهو دائبًا يُعَلِّق في الأبواب مِن الأحاديث ما ليس مِن شرطه، ويَكتب توصيلَ بعضِ ذلك الرواةُ عنه في حاشيةِ الموضع، ولا يُعَدُّ ذلك مِمَّا أَخرجَ». اهـ وقال أيضاً([23]): «والبخاري رحمه الله فيما يُعَلِّق مِن الأحاديث في الأبواب غير مبالٍ بضعف رواتها، فإنها غير معدودةٍ فيما انتخب وإنما يُعَدُّ مِن ذلك ما وَصَلَ الأسانيدَ به». اهـ ولَمْ يفرِّق ابنُ القطان بين ما علَّقه البخاري عن شيوخه أو عمَّن فوقَهم، بل كلامه جارٍ على حُكم الأصل.
يتبع
هوامش هذا الجزء
[1]- المختصر النصيح في تهذيب الكتاب الجامع الصحيح للمهلب بن أبي صفرة 1/150.
[2]- السابق 1/149.
[3]- شرح البخاري لابن بطال 6/50.
[4]- رسائل ابن حزم 1/434.
[5]- المحلى بالآثار لابن حزم 7/565.
[6]- قال ابن الصلاح في مقدمته ص68: «فزعم ابن حزم أنه منقطعٌ فيما بين البخاري وهشام». اهـ
[7]- نكت الزركشي 2/38.
[8]- السابق 2/47.
[9]- نكت ابن حجر 2/603.
[10]- الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم 2/21.
[11]- التعديل والتجريح لأبي الوليد الباجي 1159، 3/1138.
[12]- صحيح البخاري 7440.
[13]- الجمع بين الصحيحين للحميدي 1902.
[14]- مقدمة ابن الصلاح ص67.
[15]- نكت ابن حجر 2/602.
[16]- في المطبوع: «لم يخرج»، ونبَّه المحقق إلى أنها هكذا وقعت في النسخ الخطية ثم قال: «ولعلَّه: لم ينفرد». اهـ قلتُ: وهي بالفعل «لم يخرج» في النسخ الخطية الأربعة التي وقفتُ عليها، فالأشبه أنها محرفة. ولعلَّ ما أَثبتُّه هو الأقرب لرسم الكلمة ومقتضى السياق.
[17]- أشار إليه ابن العربي في تفسيره المسمَّى أحكام القرآن ط العلمية 1/98 وفي مواضع عدة. وقال ابن حجر في نزهة النظر ص48: «وصرَّح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح البخاري .. إلخ». اهـ
[18]- نكت الزركشي 2/42-43.
[19]- فتح الباري 4/487.
[20]- فتح المغيث 1/79.
[21]- الجمع بين الصحيحين للإشبيلي، دار المحقق، الرياض 1419هـ 1999م، حديث 3508.
[22]- بيان الوهم والإيهام لابن القطان 4/178.
[23]- السابق 2/479.


تنبيه الكلاباذي على رواة التعاليق
أول مَن وقفتُ عليه مَيَّزَ الرجالَ الذين أوردهم البخاري في صحيحه هو الكلاباذي، فقد قسَّمهم إلى أصناف: فمِنهم مَن احتجَّ البخاري به مفردًا، ومِنهم مَن أخرج له مقرونًا بغيره، ومِنهم مَن أخرج له بصيغة «قال لنا» وأضرابها، ومِنهم مَن علَّق حديثَه بصيغة «قال» وأضرابها. يقول الكلاباذي في مقدمة كتابه في رجال البخاري([1]): «عدَّة مَن أخرج أبو عبد الله ... حديثَهم في كتابه ... واحتجَّ بهم فيه ... بمن فيهم مِمَّن هو مقرونٌ بغيره ... وهُم سوى مَن أخرج حديثَه فلَمْ يَذكر الخبر في أوَّل الإسناد، ولكنه قال مكان (حدثني) و (نا فلان): (وقال لي) (وقال لنا) (وزادني) (وزادنا فلان)، وعدَّتهم. سوى مَن قال في أول إسناده: (وقال فلان) وأرسل ذلك عن مَن رآه وسمع مِنه وحدَّث عنه في الجامع وغيره ولَمْ يُضِفْهُ إلى نفسه، وعدَّتهم على ما أخرج». اهـ

وقد عَقَدَ الكلاباذي فصلاً لهؤلاء المذكورين في التعاليق، فقال([2]): «ومِنهم مَن أورد حديثهم فيه فقال في أول الأسانيد: (وقال فلان) (وزاد فلان)، ولَمْ يُضِفْ ذلك القول ولا تلك الزيادة إلى نفسه». اهـ ثم ذَكَرَ مِن هؤلاء الرواة: عبد الرحمن بن غنم([3]) وعطية بن قيس([4]) وأبا مالك أو أبا عامر الأشعري([5]) الذين وردوا في إسناد حديث المعازف الذي علَّقه البخاري عن شيخه هشام بن عمار. فهذا صريحٌ مِن الكلاباذي في التفريق بين مَن أسند البخاري حديثهم ومَن علَّقه، وقد سَمَّى الكلاباذي تعليقَ البخاري عن شيوخه إرسالاً كما رأيتَ.

تفريق الدارقطني بين الاستشهاد والاعتماد
جاء تصنيف الدارقطني في رجال البخاري أقلَّ تنسيقًا مِن الكلاباذي، فقال في أوَّله([6]): «ذِكْر أسماء مَن اشتمل عليه كتاب محمد بن إسماعيل البخاري الجامع للسنن الصحاح عن رسول الله r مِن التابعين فَمَن بَعدهم إلى شيوخه على حروف المعجم». اهـ ولَمْ يقسِّمهم كما فعل الكلاباذي. على أنه بعد أن فرغ مِن ذِكر أسماء هؤلاء الرواة، إذا به يعقد فصلاً لِمَن استشهد بهم البخاري في كتابه فقال([7]): «ومِمَّن ذكره البخاري اعتبارًا بحديثه وروايته أو مقرونًا مع غيره». وسرد عدَّةً مِنهم.

ومع أنَّ الدارقطني لَمْ يَشرط في كتابه هذا أن يميِّز بين الرواة الذين احتجَّ بهم البخاري وبين الذين استشهد بهم، إلاَّ أنه بهذا الفصل الذي ختم به الكتاب كان يلزمه أن يفعل حتى لا ينحصر رواة الاستشهاد في هؤلاء الرواة المذكورين دون غيرهم. مع أنه في أثناء ذِكره أسماءَ الرواة الأُوَل نَبَّه على بعضِ مَن ذَكَرَهم البخاري استشهادًا، فقال([8]): «إسحاق بن يحيى الكلبي، عن الزهري، اعتبارًا وشاهدًا». اهـ وهو أول اسمٍ ذكره في ذلك الفصل اللاحق. وقال أيضاً في الرواة الأُوَل([9]): «حماد بن سلمة في الشواهد». اهـ ولَمْ يَذكره في الفصل اللاحق. وهذا يؤكِّد أن أسماء الرواة الذين أوردهم الدارقطني أولاً فيهم مَن هم على شرط البخاري وفيهم مَن ليسوا كذلك، وكان الأليق تقسيمهم على مقتضى تبويبه الأخير هذا. لأنَّ فيهم كثيرًا مِن الرواة يَلزم الدارقطنيَّ ذِكرُهم فيمَن استشهد بهم البخاري، كعمران القطان وداود بن أبي هند وبشر بن ثابت وبكر بن سوادة وموسى بن خلف وأبان بن صالح وغيرهم.

فهؤلاء الرواة الذين أخرج لهم البخاري استشهادًا ليسوا حُجَّةً عنده، ولذلك قال الدارقطني لَمَّا سأله الحاكمُ عن إسحاق بن يحيى الكلبي([10]): «والبخاري يستشهده ولا يعتمده في الأصول». اهـ فتبيَّن بهذا أنَّ مَن لَمْ يُسند البخاريُّ حديثَه محتجًّا به فليس هو مِمَّن يُعتمد عليه عنده.

تنبيه الحاكم على الرواة غير المعتمدين
خَصَّ أبو عبد الله الحاكمُ في مَدْخَلِه رواةَ التعاليق والشواهد ببابٍ منفصلٍ عن غيرهم مِن الرواة قال فيه([11]): «فذكرتُ في هذا الموضع أسامي جماعةٍ مِمَّن لَمْ يعتمدهم أبو عبد الله رحمه الله منفردين بل ضمَّهم إلى غيرهم واستشهد بهم». اهـ فذكرهم على حروف المعجم، ثم قال([12]): «وفي الشواهد أيضاً .. عبد الرحمن بن غنم الأشعري في الأشربة، عطية بن قيس في الأشربة». اهـ وهما المذكوران في حديث المعازف المعلَّق. فتبيَّن بهذا أنَّ الحاكم لَمْ يَجعل تعاليق البخاري عن شيوخه مِمَّا أخرج احتجاجًا بل استشهادًا، ولذلك لَمْ يَجعل هؤلاء الرواةَ مِن الرواة المعتمدين في صحيح البخاري. وقوله هذا صريحٌ في مسألتنا.

تفريق المزي ومِن بَعدِه ابن حجر
أمَّا المزيُّ فقد فرَّق بين ما أخرجه البخاري مسندًا وما أخرجه تعليقًا، فجَعَلَ لكل نوعٍ مِنهما علامةً خاصةً به للتمييز بينهما. فقال في مقدمة تهذيبه([13]): «وعلامة ما أخرجه البخاري في الصحيح (خ)، وعلامة ما استشهد به في الصحيح تعليقًا (خت)». اهـ فحُكْمُ تعاليق البخاري عند المزي ليس هو كحُكم مسنداته، لأنَّ ما عَلَّقه البخاري في صحيحه ولَمْ يصل إسناده فهو عنده استشهادٌ وليس روايةً، لا فرق في ذلك بين ما عَلَّقه عن شيوخه وما عَلَّقه عَمَّن فوقَهم. يؤكِّد ذلك ما ذَكَرَه المزي في ترجمة أبي صالح كاتب الليث حيث قال([14]): «استشهَدَ به البخاري في الصحيح .. ورَوَى عنه في كتاب القراءة خلف الإمام وغيره». اهـ وأبو صالح مِن شيوخ البخاري الذين سَمِعَ مِنهم، فعُلم مِن تفريقِ المزيِّ بين الاستشهاد والرواية أنَّ هذا يَشمل ما علَّقه البخاري عن شيوخه أيضًا.

ولذلك تجد المزي قد رَمَزَ في تهذيبه لعطية بن قيس([15]) بعلامة تعليق البخاري (خت)، ثم قال: «استشهَدَ له البخاري بحديثٍ واحد». اهـ وكذا فَعَلَ مع عبد الرحمن بن غنم([16]) فرمز له بعلامة التعليق (خت) وقال: «استشهَدَ به البخاري». اهـ فهذا صريحٌ في أنَّ هؤلاء الرواة ليسوا مِمَّن أخرج لهم البخاري محتجًّا بهم في الصحيح، وإنما هم مِمَّن استشهد بهم ولَمْ يعتمدهم.

ولذلك قال ابن حجر في مقدمة شرحه([17]): «تخريج صاحب الصحيح لأيِّ راوٍ كان مقتضٍ لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته ... هذا إذا خرَّج له في الأصول. فأمَّا إن خرَّج له في المتابعات والشواهد والتعاليق، فهذا تتفاوت درجاتُ مَن أخرج له مِنهم في الضبط وغيره، مع حصول اسم الصدق لهم». اهـ ولهذا فَصَلَ ابنُ حجر بين هؤلاء وهؤلاء في الفصل التاسع الذي عقده لرجال البخاري الذين طُعن فيهم، فبعد أن فرغ مِن الأوَّلين أفرد فصلاً للآخرين([18]).

وما قرَّره الكلاباذي في هذه المسألة هو الأشبه بالصواب، لضرورة التفريق بين هؤلاء الرواة وتمييز رواياتهم في الصحيح. ويتبيَّن مِن هذا أنَّ الرواة الذين يذكرهم البخاري في التعاليق ليسوا على شرطه ولا هم مِمَّن يَعتمد عليهم، وإنما ذكرهم استشهادًا واستئناسًا لا اعتمادًا واحتجاجًا
يتبع
هوامش هذا الجزء
[1]- رجال صحيح البخاري للكلاباذي، دار المعرفة، بيروت 1407هـ 1987م، ص23-24. ومقدمة المصنِّف على أهميتها محذوفة مِن نسخة الشاملة!
[2]- رجال صحيح البخاري ص876.
[3]- السابق، ترجمة رقم 1501.
[4]- السابق، ترجمة رقم 1502.
[5]- السابق، ترجمة رقم 1503.
[6]- ذكر أسماء التابعين ومَن بعدهم 1/47.
[7]- السابق 1/435.
[8]- السابق 1/61.
[9]- السابق 1/110.
[10]- سؤالات الحاكم للدارقطني 280.
[11]- المدخل إلى الصحيح للحاكم 4/21.
[12]- السابق 4/43.
[13]- تهذيب الكمال للمزي 1/149 وهو في مقدمة تحفة الأشراف أيضًا 1/6.
[14]- تهذيب الكمال 15/99.
[15]- السابق 20/153.
[16]- السابق 17/339.
[17]- هدى الساري ص385.
[18]- السابق ص456.


ثالثا اضطراب ابن حجر فى هذه المسالة
تعقَّبَ ابنُ حجر ابنَ الصلاح في قوله السابق فيما علَّقه البخاري عن غير شيوخه فقال([12]): «الذي يتقاعد عن شرط البخاري مِن التعليق الجازم جملةٌ كثيرة». اهـ لكنه وافقه في كون ما علَّقه عن شيوخه هو على شرطه في الصحيح. فبَعْدَ أنَّ قسَّم ابنُ حجر التعاليقَ الجازمة إلى ما يلتحق بشرط البخاري وما لا يلتحق، قال([13]): «أمَّا ما يلتحق، فالسبب في كونه لَمْ يوصل إسناده: إمَّا لكونه أخرج ما يقوم مقامه ... وإمَّا لكونه لَمْ يحصل عنده مسموعاً، أو سمعه وشكَّ في سماعه له مِن شيخه، أو سمعه مِن شيخه مذاكرةً. فما رأى أنه يسوقه مساق الأصل، وغالب هذا فيما أورده عن مشايخه ... وقد استعمل المصنف هذه الصيغة فيما لَمْ يسمعه مِن مشايخه ... وأمَّا ما لا يلتحق بشرطه: فقد يكون صحيحاً على شرط غيره ... إلخ». اهـ فجَعَلَ تعاليق البخاري عن شيوخه على شرطه.

ولكنه مع ذلك اضطرب في كيفية سياق التعاليق التي هي على شرط البخاري: فتارةً يقول إنَّ البخاري لا يسوقها في صحيحه سياق الأصل، وتارةً يقول إنه يسوقها سياقه! فبعد أن نَصَّ على مغايرة البخاري لسياق هذه المعلَّقات بقوله هنا: «فما رأى أنه يسوقه مساق الأصل»، إذا به يقول في موضعٍ لاحق([14]): «إلاَّ أنَّ منها ما هو على شرطه، فساقه سياق أصل الكتاب. ومنها ما هو على غير شرطه، فغاير السياق في إيراده ليمتاز». اهـ فتناقَضَ القَوْلان.

على أنه أمعن في التناقض، حيث جاء هذان القولان مِنه على غير وفق ما قاله في هذه المسألة أولاً. فقد قال كما سلف: «وإنْ لَمْ يَجِدْ فيه إلاَّ حديثًا لا يوافِق شَرْطَه مع صلاحيته للحُجَّة، كَتبه في الباب مغايرًا للصيغة التي يسوق بها ما هو مِن شرطه، ومِن ثمَّة أَوْرَد التعاليق». اهـ ففيه قرَّر أنَّ الحديث إذا كان على شرط البخاري أخرجه بصيغة التحديث، أمَّا إذا كان على غير شرطه غاير سياقه وأخرجه بصيغة التعليق. فهذا صريحٌ مِنه في أنَّ ما غايرَ البخاريُّ سياقه عن سياق الأصل فليس هو على شرطه، وبما أنَّ الأحاديث المعلَّقة قد غايرَ البخاريُّ سياقها، فهي ليست على شرطه إذن. فانظر إلى هذا التضارب .. مع أنه أورد هذه الأقوال في ذات الكتاب الواحد!

وإمعانًا في التضارب أيضًا، جاءت أقواله في هذه التعاليق على غير وفق ما قاله في صيغة «قال لنا». فقد قرَّر هناك أنَّ هذه الصيغة يسوق بها البخاري ما ليس على شرطه، فقال([15]): «سبب استعماله لهذه الصيغة ليفرِّق بين ما يبلغ شرطه وما لا يبلغ». اهـ وبالتالي غايَرَ البخاريُّ سياق هذه الأحاديث في صحيحه عن سياق الأصول، فقال ابن حجر([16]): «فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب». اهـ فإذا كان هذا هو حال هذه الصيغة الصريحة في الاتصال عند ابن حجر، فكيف به يَرفع صيغةَ التعليق هذه فوقها مع إقراره بأنها أضعف مِنها!

والأشبه بالصواب مِن هذه الأقوال هو قول الإسماعيلي ومَن وافقه، وهو موافقٌ لصنيع البخاري في كتابه ونَصِّ عنوانه. ومَن خالَفَه مِن المتأخرين في ذلك لَمْ يَصنع شيئًا.

هوامش هذا الجزء
[12]- نكت ابن حجر 1/342.
[13]- هدى الساري ص17.
[14]- السابق ص346.
[15]- فتح الباري 1/156.
[16]- نكت ابن حجر 2/601.


خطبة للشيخ ابو اسحاق يوضح فيها ان معلقات البخارى عن شيوخه لاتكون متصلة دائما بل انه احيانا يسقط بينه وبين شيخه راو ويبين انها ليست من اصل الصحيح  يمكنك سماع الخطبة كاملة وان كمن تريد موضع الشاهد فقط

فاسمع من اول الدقيقة 23 والثانية 30 حتى نهاية الخطبة

https://www.youtube.com/watch?v=V34KiLqxz84