السبت، 1 ديسمبر 2018

خطورة تحريم ما اباحه الله

هذه كلمةٌ موجزةٌ، موجَّهةٌ إلى الذين هان عليهم إطلاقُ لفظة "حرام" في فتاواهم إذا أفتَوا، وفي بحوثهم إذا كتَبوا، وفي خُطَبهم ودروسهم، وفي كل ما من شأنه أن يكون سبيلًا للدعوة إلى الشريعة والدين: أن الواجبعليهم في قولهم هذا مراقبةُ الله الجليل عزَّ شأنه، وأن يعلموا يقينًا أن كلمة "حرام" كلمةٌ خطيـرةٌ، فهي تعني الإثم والعقاب من الله تعالى المترتِّبَ على الفعل المحرَّم، وهذا أمرٌ لا يُعرف بالتخمين، ولا بموافقة المزاج، ولا بالاغترار بكثـرة القائلين، ولا بشُهرة أسمائهم، ولا بمجرد وجوده في كتابٍ قديمٍ، ولا بالآثار والأخبار عن غير المعصوم صلى الله عليه وسلم، كما لا يُعرف هذا الأمر من خلال الأحاديث الضعيفة أو غيـر ذات الدلالة؛ وإنما يُعرف بنصوص الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة، ذات الدلالة الصريحة، أو بإجماعٍ قطعيٍّصحيح مستندٍ إلى الكتاب والسنة، وإلا فدائرة العفو والإباحة واسعةٌ، وهي الأصل بلا خلاف، بل يقول أهل الأصول: إن "تحريم الحلال أشدُّ من تحليل الحرام"[1]، وفي كُلٍّ منهما شرٌّ عظيمٌ.

قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ ﴾ [النحل: 116]، وقال جلَّ شأنه: ﴿ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ﴾ [الأنعام: 140].

إذا تلفظ المكلف بتحريم شيء ما أبيح لـه من المطاعم والمشارب والمناكح وغير ذلك، فإنه محرم ولا يجوز.
قال شيخ الإسلام: " المناكح، والمطاعم، التي يباح الانتفاع بها هي مما سماه اللَّه حلالاً، ومن جعل ما أحل اللَّه حراماً فقد أتى منكراً من القول وزوراً، وهو كلام لا يمكن تحقيق موجبه، ولا يحل التكلم به، فلا يجعل سبباً لما أباحه اللَّه من الطلاق الذي فيه إرسال المرأة ".
وقال أيضاً عند قوله تعالى: { يا أيها النَّبِيّ لم تحرم ما أحل اللَّه لك تبتغي مرضاة أزواجك واللَّه غفور رحيم ¯ قد فرض اللَّه لكم تحلة أيمانكم واللَّه مولاكم وهو العليم الحكيم } ([
سورة التحريم، آية: 1، 2.])، وهذا الاستفهام استفهام إنكار يتضمن النهي، فإن اللَّه لا يستفهم لطلب الفهم والعلم، فإنه بكل شيء عليم، ولكن مثل هذا يسميه أهل العربية استفهام إنكار، استفهام الإنكار يكون بتضمن الإنكار مضمون الجملة: إما إنكار نفي إن كان مضمونها خبراً وإما إنكار نهي إن كان مضمونها إنشاء، والكلام إما خبر وإما إنشاء، وهذا كقوله: { عفا اللَّه عنك لم أذنت لهم } ([سورة التوبة، آية: 43.])، وقوله: { لم تقولون ما لا تفعلون } ([سورة الصف، آية: 1.]) ونحو ذلك " ([مجموع الفتاوى 35/329.]).
وقال القرطبـي  في معرض استدلاله للمالكية في عدم لزوم كفارة اليمين في تحريم غير الزوجة: " فذم المحرم للحلال، ولم يوجب عليه كفارة، قال الزجاج
: ليس لأحد أن يحرم ما أحل اللَّه، ولم يجعل لنبيه أن يحرم إلا ما حرم اللَّه عليه... " ([أحكام القرآن للقرطبـي 18/180.]).
وقال أيضاً عند قوله تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللَّه الكذب } ([
سورة النحل: 16.]).... ومعنى هذا: أن التحليل والتحريم إنما هو لله عز وجل، وليس لأحد أن يقول أو يصرح بهذا في عين من الأعيان، إلا أن يكون البارىء تعالى يخبر بذلك عنه " اهـ ([أحكام القرآن للقرطبـي 10/196.]).
ويدل لهذا قوله تعالى: { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على اللَّه الكذب إن الذين يفترون على اللَّه الكذب لا يفلحون } ([
سورة النحل: 16.]).
وقوله تعالى: { قل أرأيتم ما أنزل اللَّه لكم من رزق فجعلتم منه حراماً وحلالاً قل آللَّه أذن لكم أم على اللَّه تفترون } ([
سورة يونس، آية: 59.]).
وقوله تعالى: { يا أيها النَّبِيّ لم تحرم ما أحل اللَّه لك تبتغي مرضاة أزواجك واللَّه غفور رحيم } ([
التحريم: 1.]).

يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله التالي 
"تحريم ما أحل الله لا ينقص درجة في الإثم عن تحليل ما حرم الله وكثير من ذوي الغيرة من الناس تجدهم يميلون إلى تحريم ما أحل الله أكثر من تحليل الحرام بعكس المتهاونين وكلاهما خطأ ومع ذلك فإن تحليل الحرام فيما الأصل فيه الحِل أهون من تحريم الحلال لأن تحليل الحرام إذا لم يتبين تحريمه فهو مبني على الأصل وهو الحِل ورحمة الله ـ سبحانه ـ سبقت غضبه فلا يمكن أن نحرم إلا ما تبين تحريمه ولأنه أضيق وأشد والأصل أن تبقى الأمور على الحِل والسعة حتى يتبين التحريم. أما في العبادات فيشدد لأن الأصل المنع والتحريم حتى يبينه الشرع " 

المصدر : القول المفيد على كتاب التوحيد - باب من أطاع العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق