الخميس، 6 ديسمبر 2018

ترك الرسول واصحابه لامر ما لايعنى انه حرام

*طريق خاطئ من طرق الاستدلال المعاصر*
-------------------
تنتشر بعض الفتاوى في الانترنت حول مسألة ما، وهذه المسألة مختلف فيها مثلا، ويحتج من يفتي بالتحريم بقول (لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر به) أو يقول (لم يفعله الصحابة او التابعون ...)
او يقول : (لو كان خيرا لسبقونا اليه)
والغريب ان الكلام قد لا يكون عن فعل مستحب او واجب أو حرام، إنما يكون عن خلاف في فعل هل هو جائز (مباح) أو حرام..
ولي هنا وقفات:
أولها:
يجب ان نعرف بأن هذا الكلام (لو كان خيرا لسبقونا اليه) ليس أصلا من أصول الاستدلال في الشريعة.
ثانيا:
إن ترك الفعل لا يدل على تحريمه، فالشيء الذي لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على التحريم، إنما يدل على عدم الوجوب أو الاستحباب.
ثالها:
إن كان الكلام يدور حول فعل جائز فماذا يعني اذا لم يفعله السلف، هو جائز وليس واجبا او مستحبا كي نستغرب عدم فعلهم له.
رابعا:
ورد عن بعض سلف الأمة وأئمتها أفعال لم يامر بها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها، منها:
¤ كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قد قسم دهره ثلاث ليال؛ ليلة يبيتها قائما، وليلة راكعا، وليلة ساجدا.
¤ وكانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تعطر أموال الصدقة.
وغيرها كثير من أفعال لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولم يأمر بها، مع ان هذه عبادات وليس من امور العادات والمباحات.
وكذلك من بعد الصحابة من السلف والأئمة، منها:
¤ كان الامام مالك لا يلبس نعالا ولايركب دابة في المدينة المنورة، وكان يقول: أنا أستحي من الله أن أطأ تربة نبي الله بحافر دابة .
فهل قال احد للإمام مالك :
هل أنت تحب النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من صحابته الذين مشوا بنعالهم وركبوا الدواب في المدينة؟ هل فاتهم ذلك وتذكرته أنت ؟ لا لم يقل له أحد ذلك.
¤ وقال ابن القيم رحمه الله :
سمعت ابن تيمية رحمه الله يقول :
(من واظب على "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت" كل يوم بين سنة الفجر وصلاة الفجر أربعين مرة أحيا الله بها قلبه)
فها هو ابن تيمية يفعل شيئا لم يرو عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته ، فلماذا لم يقل له تلامذته أو أقرانه : من أين لك هذا الدعاء، وبهذا العدد تحديدا، وبهذا الوقت تحديدا؟
وهل قال له أحد: لو كان خيرا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته؟ هل فاتهم وتذكرته ؟ لا لم يقل له احد ذلك، بل عد ابن القيم ذلك من مناقبه رحمهما الله .
وغير ذلك كثير جدا، وفيما ذكرناه كفاية.
*ونختم بمسألة فقهية:*
لو نذر رجل أن يفرش مسجدا بسجاد، فهل نذره واجب الوفاء؟
الجواب نعم واجب.
ولنسأل الان: هل فرش المسجد عبادة؟
فإن قلت: نعم عبادة لانه من باب توقير المساجد، والمسجد من شعائر الدين التي أمرنا بتعظيمها.
قلنا لك: إن كانت عبادة فلماذا لم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الصحابة؟
وإن قلت: ليست عبادة، قلنا: إن لم تكن عبادة فكيف يجب هذا النذر ؟ والنذر لا يجب في غير العبادات ؟

فاعلم إن ترك الرسول الكريم لأمر لم يفعله في زمانه ليس حجة في التحريم، لأن القاعدة الشرعية المتفق عليها أنه لا تحريم إلا بنص ، لذلك فإن المقولة التي ذكرتها في السؤال ليست قاعدة شرعية بتاتاً .أما القاعدة الشرعية لأي عمل هي أن ننظر إلى الأمر هل هنالك من نص صريح في تحريمه أم لا ، وإن كان من الأمور المستحدثة هل اتفق العلماء على تحريمه بالقياس (كما هو الحال بالنسبة للمخدرات مثلاً) فإن لم يكن كذلك فالأمر مباح يجوز فعله وتركه . ودليل هذا فيما يلي:
أولها : أن الله لما بين لنا في القرآن الكريم ما يجب علينا من طاعة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا )وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الحشر 7. ولم يقل : وما تركه فاتركوه . فجعل الطاعة في امتثال الأمر واجتناب النهي فحسب ، وما جعلها في متابعته صلى الله عليه وسلم في الترك .
ثانيها : أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين لنا ما تجب طاعته فيه ؛ وحصر ذلك بامتثال أمره واجتناب نهيه ولم يجعله في ترك ما ترك من الأمور . يشهد لذلك ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرةَ قال : خَطَبَنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : (أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللهُ عَلَيْكُمُ الْحَجَّ فَحُجُّوا) َقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ سَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلاثًا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم (لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ) ثُمَّ قَالَ ( ذَرُونِي مَاتَرَكْتُكُمْ ، فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ . فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ) فقد قال أولاً ( ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ ) أي اتركوا سؤالي عمالم آمركم به أو أنهَكم عنه ؛ لأن ذلك يدخل في الأمور المباحة التي لا أمر فيها ولا نهي ، فإذا اقتضى الأمر أمراً بينته ، أو نهياً بينته . 
ثالثها : أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك كثيراً من الأمور لا لحرمتها ؛ وإنما لأمور اقتضت ذلك . فمن ذلك تركُ هدم الكعبة وإعادة بنائها على قواعد إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة أكمل التسليم ، وتركُ إنفاق كنْزها في سبيل الله لا لأن ذلك حرام لا يجوز بل لأن قومه كانوا حديثي عهد بجاهلية ؛ ومنها كذلك تركه صلى الله عليه وسلم أكل الضب ؛ لا لأنه حرام ؛ بل لأنه لم تشتهه نفسه الكريمة ، أو لأنه ليس من طعامه .
ومن الأمور التي تركها سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة التراويح مع الجماعة في شهر رمضان لا لأنها لا تجوز بل خشية أن يفرضها الله على أمته فلا تستطيعها ، وهذا من كمال رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته ، فما أعظمه من رسول بر رؤف رحيم ! ومنها تركه صلى الله عليه وسلم الانتصار لنفسه الكريمة ؛ لا لأنه لا يجوز له الانتصار لها ؛ بل لأن العفو والصفح من كمال خلقه صلى الله عليه وسلم.
رابعها : أن الصحابة الكرام فعلوا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أموراً لم يفعلها هو ، ولم يأمر بها ؛ وإنما كان ذلك اجتهاداً منهم في التقرب إلى الله فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك ؛ لكي يكون باب الاجتهاد في التقرب إلى الله بأنواع من القربات مفتوحاً على مصراعيه ؛ إلا ماخالف نصاً صريحاً من كتاب أو سنة أو أصلاً شرعياً متفقاً عليه . 
وفَعَلَ الصحابة الكرام بعده صلى الله عليه وسلم أموراً كثيرة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم منها جَمْعُ القرآن الكريم في مصحف واحد في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنه ثم نسخ ذلك في ستة مصاحف وبعثها إلى الأمصار وإحراق ما سوى ذلك ؛ حتى لا يختلط القرآن بغيره ، في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك معروف مشهور . ومنها جَمْعُ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس في صلاة التراويح في رمضان على إمام واحد هو أُبَيُّ بن كعب رضي الله عنه.
وقد استجدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم أمور ليس لها نص صريح في كتاب الله ولا في سنة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كتنقيط المصحف وتشكيله ، وتدوين العلوم كالنحو والفقه وأصوله ، وتجويد القرآن وتفسيره ، وغيرها من العلوم ، وظهرت أشياء جديدة كالقهوة والشاي وغيرها ، مما لم يكن معروفاً زمن النبوة ، استنبط العلماء أحكامها من تلك القواعد والضوابط . ولم يقل أحد من العقلاء : إن أولئك العلماء قد زادوا في دين الله شيئاً ، أو ابتدعوا شيئاً لم يأذن به الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم

اذن قد يكون للترك اسباب منها:
1-العادة: كموضوع الضب في حديث سيدنا خالد ابن الوليد انه دخل على التبي صلى الله عليه وسلم ببيت ميمونة فاتي بضب محنوذ فاهوى اليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقيل هو ضي يا رسول الله فرفع يده فقلت: احرام هو يا رسول الله؟فقال( لا ولكن لم يكن بارض قومي فاجدني اعافه)قال خالد:فاجتررته فاكلته والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر .
الحديث يدل على امرين:
ا -ان تركه للشىء ولو بعد الاقبال عليه لا يدل على تحريمه.
ب-ان استقذار الشىء لا يدل على تحريمه ايضا.

- 2ان يكون تركه نسياتا وسهى صلى الله عليه وسلم في الصلاة فترك منها شيئا فسئل :هل حدث في الصلاة شىء؟ قال (انماانا بشر انسى كما تنسون فاذا نسيت فذكروني(.

-3 ان يكون الترك مخافة ان يفرض كصلاة التراويح.

-4 ان بكون تركه لعدم التفكر فيه ولم يخطر في باله مثل احداث المنبر له صلى الله عليه وسلم

-5ان يكون تركه لدخوله في عموم الايات او الاحاديث كتركه الكثير من المندوبات لانها مشمولة في قوله تعالى(وافعلوا الخير لعلكم تفلحون)الحج77

وحسب العاقل المنصف الذي يرجو رحمة ربه ويخشى عذابه قول الله جل شأنه) وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ ( النحل 116 وقوله جل شأنه ) قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالاً قُلْ آللهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللهِ تَفْتَرُونَ ( يونس 59 . مما تقدم فترك النبي صلى الله علي وسلم شيئا لشىء لا يعنى حرمة ذلك لان القاعدة عند العلماء (ترك الشىء لا يدل على حرمته) ونقصد بالترك ان ان يترك النبي صلى اللله عليه وسلم شيئا لم يفعله او تركه السلف الصالح من غير ان ياتي حديث او امر بالنهي عن ذلك الشىء المتروك بمقتضى تحريمه او كراهته. .قال علماء الأصول: السنة هي أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته .. ولم يقولوا وتروكه (أي ما تركه ولم يفعله) ..
لأن الترك ليس حكما شرعيا , ولا أثر له في التشريع (أي لا تعبره العلماء شيئا مؤثرا في إثبات حكم شرعي معين لمسألة معينة).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم , وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه) [ متفق عليه].
ولم يقل إذا تركت شيئا فاجتنبوه ..
إذن .. مجرد ترك النبي صلى الله عليه وسلم لشيء ما, لا يعتبر دليلا على تحريمه .. لكنه يفيد أن تركه جائز وفعله جائز..
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وحببنا فيه ، وأرنا الباطل باطلاً وألهمنا اجتنابه وكرهنا فيه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب لعالمين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق