يقول العلامة حاتم العونى
شروط إباحة تمثيل الصحابة رضي
الله عنهم :
لا أُنكر تمثيل الصحابة بثلاثة شروط :
الشرط الأول : إذا لم يكن فيه كذب وتشويه لحقائق التاريخ الثابتة .
وقلت في مناسبة سابقة في تحرير ما يُدّعى أنه كذب في التمثيل : (( إن الكذب هو : إيهام السامع أنك تحكي الواقع نفسه ، فإذا كنت أنت لا تقصد ذلك ، ولا يتوهم السامع ذلك منك أيضا ، فليس هذا من الكذب .
وهذا كالأمثال المضروبة : فعندما خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا ، وقال عن أحدها : هذا ابن آدم ، وقال عن الآخر : وهذا أجله ... لم يكن هذا كذبا !
وكان يمكن أن يقول قائل بجهل وحمق : كيف يكون الخطُّ ابنَ آدم ؟! وكيف يكون الخط الآخر أجله ؟! وكيف يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك الخطوط نحو تلك الإشارات ؟! وكيف يسميها بتلك الأسماء التي لا تمثل الحقيقة ؟!)) . فإذا عرفنا أن الذي أخرج هذا المثَـل المضروب عن مسمى الكذب ، مع أنه تَضمّنَ إخبارًا بخلاف الواقع ، هو عدم قصد المتكلم الإيهامَ بخلاف الواقع ، وعلمه بعدم وقوع هذا التوهم عند العقلاء = علمنا لماذا كان التمثيل ليس كذبا ؛ وهو أنه تمثيل وأمثال ، لا يتوهم الناس فيها غير أنها أمثال مضروبة !!!
الشرط الثاني : إذا خلا من منكرات أخرى لا يسوغ الاختلاف بإباحتها ككشف للعورات أو كذب صريح ، بخلاف كشف وجه المرأة والموسيقى اللذين فيهما خلاف معتبر ، فلا يحق لمن يرى التحريم فيهما الإنكار على المبيح ، ولا إلزامه باجتهاده ، فضلا عن إلزامه بتقليده ، كما هو الواقع اليومَ غالبا !
الشرط الثالث : إذا لم يؤد تمثيل أحدهم عند غالب الناس إلى الاستخفاف بما يستحقه الصحابي من مكانة ، ولا إلى غلو فيه ، يرفعه فوق منزلته .
وليس من انتقاصهم (رضي الله عنهم) :
١- إظهار بعض أخطائهم ، إذا أُحسن عرضها بما لا يؤدي إلى الحط منهم دون منزلتهم . فقد حكى الله تعالى علينا بعض أخطاء الأنبياء والصالحين ، فما حط ذلك من قدرهم .
وما تمكنت العباراتُ من أدائه ، يمكن للمشاهد التمثيلية أداؤه أيضا !
٢- أن يمثل أدوارهم من لا يقارب شأوهم في الدين والتقوى ، بل ربما مثّـلها الفساق .
والجواب أن نقول : كما لا ينقص القرآن أن يتلوه فاسق كما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والقراءُ الصلحاء من بعده ، بل ربما خشعت القلوب لحسن تلاوته ، وكان له أجر تلاوته إذا أخلص النية = فكذلك يكون حال تمثيله دور الصالحين ، إذا أحسن أداءه وأخلص النية .
وأما شبهة انطباع تصور سيء عن الصحابي الذي يُمثل ، فيما لو شوهد ممثلُ دوره في دور ماجن في فيلم آخر = فهي شبهة يردها الواقع . فما زال الممثلون يمثلون الأدوار المختلفة والكثيرة ، ونجد الناس يتفاعلون مع كل دور منها بما يناسبه . فربما أحبوا الممثل في دور البطل ، وكرهوه هو نفسه في دور المجرم ، وهكذا دواليك ، ولا كان لذلك الانطباع المتوهم أثر عليهم في تفاعلهم معه حسب دوره .
وهذا أمر مشاهد ، لا يغالط فيه إلا من لا يشاهد الواقع .
ثم هذا التوهم (توهم انطباع التصور السيء عن الصحابي) ما كان ينبغي أن يكون دليلا على التحريم ، فالتحريم لا يكون بتوهمات من جنس هذا التوهم . لكن أن يكون هذا التوهمُ مجردَ نقطةٍ سلبية محتملة ، وتحتاج مزيد دراسة وتثبت من وزنها ، لتوزن ببقية النقاط السلبية والإيجابية للأفلام = فهذا هو مقتضى التورع في الفتوى ، وواجبُ العلم الذي يُصحّحُ الاجتهادَ !
ولضمان التزام هذه الشروط ، ولكي يطمئن المنتجون لصوابية عملهم شرعا : لا يكفي أن يراجع العلماءُ ولجانُهم العلمية (المعتبرة) الحواراتِ والحوادثَ التاريخية ، بل لا بد من متابعة مشاهد المسلسل مشهدا مشهدا ، وبعد الانتهاء منه تماما أيضا ، للتأكد من المخرَج النهائي ، ومن تحقيقه للأهداف المنشودة ، ومن التزامه بالشروط المذكورة .
ويمكن أن يتم التأكد من نتائج الفيلم أو المسلسل ومن أثره (خاصة إذا كان منتجا ذا أهمية بالغة ) بإجراء عرض محدود ، في بعض قاعات السينما ، على شريحة عشوائية ، تمثل عامة المستهدفين ، ثم إجراء استفتاء لهم ودراسة عليهم ، بعد مشاهدتهم له . لتعديل المشاهد التي يرون أنها كانت ذات أثر غير محمود عليهم .
وليس كثيرا على أعمال المشجاة (الدراما) ذات الهدف الإسلامي أن تبذل في البداية بذلا مضاعفا (من الجهد والمال ) ، حتى تستطيع أن تبني لها تجارب ناجحة ، يمكنها بعدها أن تستفيد منها ، دون حاجة بعدها لكل تلك الجهود والتكاليف التي صاحبت نشأتها الجادة ؛ إذا ما صدقت النية ، والتي لا يعارض صدقَها طلبُ الربح التجاري أيضا .
نشرته اليوم صحيفة الشرق بتصرف يسير :
http://m.alsharq.net.sa/2012/07/11/387807
لا أُنكر تمثيل الصحابة بثلاثة شروط :
الشرط الأول : إذا لم يكن فيه كذب وتشويه لحقائق التاريخ الثابتة .
وقلت في مناسبة سابقة في تحرير ما يُدّعى أنه كذب في التمثيل : (( إن الكذب هو : إيهام السامع أنك تحكي الواقع نفسه ، فإذا كنت أنت لا تقصد ذلك ، ولا يتوهم السامع ذلك منك أيضا ، فليس هذا من الكذب .
وهذا كالأمثال المضروبة : فعندما خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا ، وقال عن أحدها : هذا ابن آدم ، وقال عن الآخر : وهذا أجله ... لم يكن هذا كذبا !
وكان يمكن أن يقول قائل بجهل وحمق : كيف يكون الخطُّ ابنَ آدم ؟! وكيف يكون الخط الآخر أجله ؟! وكيف يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى تلك الخطوط نحو تلك الإشارات ؟! وكيف يسميها بتلك الأسماء التي لا تمثل الحقيقة ؟!)) . فإذا عرفنا أن الذي أخرج هذا المثَـل المضروب عن مسمى الكذب ، مع أنه تَضمّنَ إخبارًا بخلاف الواقع ، هو عدم قصد المتكلم الإيهامَ بخلاف الواقع ، وعلمه بعدم وقوع هذا التوهم عند العقلاء = علمنا لماذا كان التمثيل ليس كذبا ؛ وهو أنه تمثيل وأمثال ، لا يتوهم الناس فيها غير أنها أمثال مضروبة !!!
الشرط الثاني : إذا خلا من منكرات أخرى لا يسوغ الاختلاف بإباحتها ككشف للعورات أو كذب صريح ، بخلاف كشف وجه المرأة والموسيقى اللذين فيهما خلاف معتبر ، فلا يحق لمن يرى التحريم فيهما الإنكار على المبيح ، ولا إلزامه باجتهاده ، فضلا عن إلزامه بتقليده ، كما هو الواقع اليومَ غالبا !
الشرط الثالث : إذا لم يؤد تمثيل أحدهم عند غالب الناس إلى الاستخفاف بما يستحقه الصحابي من مكانة ، ولا إلى غلو فيه ، يرفعه فوق منزلته .
وليس من انتقاصهم (رضي الله عنهم) :
١- إظهار بعض أخطائهم ، إذا أُحسن عرضها بما لا يؤدي إلى الحط منهم دون منزلتهم . فقد حكى الله تعالى علينا بعض أخطاء الأنبياء والصالحين ، فما حط ذلك من قدرهم .
وما تمكنت العباراتُ من أدائه ، يمكن للمشاهد التمثيلية أداؤه أيضا !
٢- أن يمثل أدوارهم من لا يقارب شأوهم في الدين والتقوى ، بل ربما مثّـلها الفساق .
والجواب أن نقول : كما لا ينقص القرآن أن يتلوه فاسق كما تلاه رسول الله صلى الله عليه وسلم والقراءُ الصلحاء من بعده ، بل ربما خشعت القلوب لحسن تلاوته ، وكان له أجر تلاوته إذا أخلص النية = فكذلك يكون حال تمثيله دور الصالحين ، إذا أحسن أداءه وأخلص النية .
وأما شبهة انطباع تصور سيء عن الصحابي الذي يُمثل ، فيما لو شوهد ممثلُ دوره في دور ماجن في فيلم آخر = فهي شبهة يردها الواقع . فما زال الممثلون يمثلون الأدوار المختلفة والكثيرة ، ونجد الناس يتفاعلون مع كل دور منها بما يناسبه . فربما أحبوا الممثل في دور البطل ، وكرهوه هو نفسه في دور المجرم ، وهكذا دواليك ، ولا كان لذلك الانطباع المتوهم أثر عليهم في تفاعلهم معه حسب دوره .
وهذا أمر مشاهد ، لا يغالط فيه إلا من لا يشاهد الواقع .
ثم هذا التوهم (توهم انطباع التصور السيء عن الصحابي) ما كان ينبغي أن يكون دليلا على التحريم ، فالتحريم لا يكون بتوهمات من جنس هذا التوهم . لكن أن يكون هذا التوهمُ مجردَ نقطةٍ سلبية محتملة ، وتحتاج مزيد دراسة وتثبت من وزنها ، لتوزن ببقية النقاط السلبية والإيجابية للأفلام = فهذا هو مقتضى التورع في الفتوى ، وواجبُ العلم الذي يُصحّحُ الاجتهادَ !
ولضمان التزام هذه الشروط ، ولكي يطمئن المنتجون لصوابية عملهم شرعا : لا يكفي أن يراجع العلماءُ ولجانُهم العلمية (المعتبرة) الحواراتِ والحوادثَ التاريخية ، بل لا بد من متابعة مشاهد المسلسل مشهدا مشهدا ، وبعد الانتهاء منه تماما أيضا ، للتأكد من المخرَج النهائي ، ومن تحقيقه للأهداف المنشودة ، ومن التزامه بالشروط المذكورة .
ويمكن أن يتم التأكد من نتائج الفيلم أو المسلسل ومن أثره (خاصة إذا كان منتجا ذا أهمية بالغة ) بإجراء عرض محدود ، في بعض قاعات السينما ، على شريحة عشوائية ، تمثل عامة المستهدفين ، ثم إجراء استفتاء لهم ودراسة عليهم ، بعد مشاهدتهم له . لتعديل المشاهد التي يرون أنها كانت ذات أثر غير محمود عليهم .
وليس كثيرا على أعمال المشجاة (الدراما) ذات الهدف الإسلامي أن تبذل في البداية بذلا مضاعفا (من الجهد والمال ) ، حتى تستطيع أن تبني لها تجارب ناجحة ، يمكنها بعدها أن تستفيد منها ، دون حاجة بعدها لكل تلك الجهود والتكاليف التي صاحبت نشأتها الجادة ؛ إذا ما صدقت النية ، والتي لا يعارض صدقَها طلبُ الربح التجاري أيضا .
نشرته اليوم صحيفة الشرق بتصرف يسير :
http://m.alsharq.net.sa/2012/07/11/387807
انتهى كلام حاتم العونى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق