الاثنين، 6 يناير 2014

اباحة ابتداء اهل الكتاب وغيرهم بالسلام والرد على ادلة المانعين









سنبداء بادلة الاباحة ثم ادلة التحريم ونرد عليها ثم اقوال السلف الصالح ممن اباحوا الابتداء بالسلام على المشركين



اولا ادلة اباحة ابتداء اهل الكتاب بالسلام



نصوص من القرآن الكريم :
1. { يا أيّها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتّى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها ..} [سورة النور، الآية 27]
{.. فإذا دخلتم بيوتاً فسلّموا على أنفسكم، تحية من عند الله مباركة طيّبة، كذلك يبيّن الله لكم الآيات لعلّكم تعقلون} [سورة النور، الآية 61].
فكلمة (بيوت) هنا تشمل أي بيت ندخل إليه سواء كان بيت مسلم أو غير مسلم.
وكلمة (أنفسكم) استعملها القرآن بمعنى الناس جميعاً وليس فقط المسلمين. قال تعالى مخاطباً العرب المشركين: { لقد جاءكم رسول من أنفسكم }.
فالآية نص عام في وجوب السلام عند دخول البيوت سواء على مسلمين أو غير مسلمين.
وقد ذكر الطبري في تفسير هذه الآية عن إبراهيم: إذا دخلت بيتاً فيه يهود فقل: السلام عليكم. وإن لم يكن فيه أحد فقولوا: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين.
2. { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه، وقالوا: لنا أعمالنا ولكم أعمالكم، سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين } [سورة القصص، الآية 55].
فهذه الآية نص عام في كل مسلم يستمع من غير المسلمين إلى حديث لا يرضي الله، عليه أن يفارقهم ولا يبقى في هذا المجلس. قال بعض المفسّرين: السلام هنا للمتاركة لا للتحية. ونقول: إن المتاركة يمكن أن تكون مع الشتائم، ويمكن أن تكون على الأقل بدون هذه الكلمة الطيبة (السلام) ولكن الله تعالى شرع لنا عند مفارقة الكفّار أن نقول لهم: سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين.
وإذا كانت تحية المتاركة (السلام) فتحية الاستقبال كذلك من باب أولى، لأن الرسول (ص) يقول: (ليست الأولى بأحق من الأخيرة) [رواه أبو داود والترمذي وحسّنه النسائي].
3. { وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً، وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً } [سورة الفرقان، الآية 63]
أورد القرطبي في تفسير هذه الآية قول بعض العلماء أنها منسوخة بآية السيف. ثم ذكر قول ابن العربي: ( لم يؤمر المسلمون يومئذ أن يسلّموا على المشركين، ولا نهوا عن ذلك. بل أمروا بالصفح والهجر الجميل. وقد كان عليه الصلاة والسلام يقف على أنديتهم ويحيّيهم ويدانيهم ولا يداهنهم). ورجح القرطبي، رأي ابن العربي فقال: قلت: هذا القول ـ أي قول ابن العربي ـ أشبه بدلائل السنّة. وقد بيّنا في سورة مريم اختلاف العلماء في جواز التسليم على الكفّار. فلا حاجة إلى دعوى النسخ والله أعلم.
4. { وقيله : يا رب، إنّ هؤلاء قوم لا يؤمنون. فاصفح عنهم وقل : سلام، فسوف يعلمون ..} [سورة الزخرف، الآية 89].
يقول الشنقيطي في تفسير هذه الآية في أضواء البيان أنها: "تضمّنت ثلاثة أمور منها: أن يقول للكفار: سلام. وقد بيّن الله تعالى أن السلام للكفّار هو شأن عباده الطيّبين. ومعلوم أنه سيّدهم، قال تعالى: {… وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا: سلاماً } [سورة الفرقان، الآية 63]. {… سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين …} [سورة القصص، الآية 55]. وقال إبراهيم لأبيه: {.. سلام عليك }.
ومعنى السلام في الآيات المذكورة، إخبارهم بسلامة الكفّار من أذاهم. ومن مجازاتهم لهم بالسوء. أي سلمتم منّا لا نسافهكم، ولا نعاملكم بمثل ما تعاملوننا.
وكثير من أهل العلم يقولون: إن قوله تعالى: { فاصفح عنهم …} وما في معناه منسوخ بآيات السيف. وجماعات من المحققين يقولون: هو ليس بمنسوخ.
والقتال في المحل الذي يجب فيه القتال، والصفح عن الجهلة، والإعراض عنهم، وصف كريم، وأدب سماوي لا يتعارض مع ذلك".
5. { قال : سلام عليك. سأستغفر لك ربّي، إنّه كان بي حفيّاً } [سورة مريم، الآية 47].
ذكر القرطبي في تفسير هذه الآية: (الجمهور على أن المراد بسلامه المسالمة التي هي المتاركة، لا التحية. وعلى هذا لا يبدأ الكافر بالسلام. وقال بعضهم تسليمه: هو تحية مفارق. وأجاز تحيّة الكافر، وأن يبدأ بها. وقيل لابن عيينة: هل يجوز السلام على الكافر؟ قال نعم، قال الله تعالى: { لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرّوهم وتقسطوا إليهم. إن الله يحبّ المقسطين } [سورة الممتحنة، الآية 7]. وقال تعالى: { لقد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم ..} { وقال إبراهيم لأبيه : سلام عليك}.
ورجّح القرطبي قول سفيان بن عيينة في جواز التحية للكافر، وذكر ممن يرى ذلك: الطبري ونسبه إلى السلف، وابن مسعود وأبو أمامة والحسن البصري والأوزاعي.

6 والله تعالى يقول: }وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا{ والتعارف لا يكون إلاّ بنوع من التحية


 الأحاديث العامَة :
1. سئل رسول الله أيّ الإسلام خير؟ قال: (تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف) [رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه].
تطعم الطعام: أي تكثر من إطعام الضيوف، سواء كانوا مسلمين أم كافرين كما قال الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب.
تقرأ السلام: أي تحيي بتحية الإسلام وهي (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته) وظاهر
الحديث يشمل المسلم والكافر،


2. عن أبي هريرة أن رسول الله قال: (لمّا خلق الله آدم، قال اذهب فسلّم على أولئك النفر من الملائكة جلوس، فاستمع ما يحيّونك، فإنها تحيّتك وتحية ذريّتك. فقال: السلام عليكم. فقالوا: السلام عليك ورحمة الله ..) [رواه الشيخان].
وهو نص صريح في أن السلام تحية آدم وتحية ذرّيته. ومن المعروف أن ذرية آدم منها المسلم ومنها الكافر، فيكون السلام هو تحية الجميع، سواء في الابتداء أو في الرد. والأصل في المسلم أن يلتزم بهذه التحية مع المسلم أو غير المسلم إلاّ عند وجود سبب مانع وهو (الحرب بالنسبة لغير المسلمين) لأن السلام أمان، والحرب تناقضه.

3وحديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما (أن النبي مرّ بمجلس فيه أخلاط من اليهود والمسلمين فسلّم عليهم) [رواه البخاري ومسلم والترمذي].
وقد تعسّف بعض العلماء، فقالوا: إنه ينبغي في مثل هذه الحالة أن يقصد بسلامه المسلمين فقط. مع أنه لا يوجد في كل روايات هذا الحديث ما يشير إلى أن الرسول قصد المسلمين فقط بسلامه. وربما دفعهم إلى ذلك الخشية من تساؤل البعض: إذا صحّ جواز السلام على غير المسلمين وهم في مجلس مع المسلمين، فلماذا لا يصح إذا كانوا منفردين؟ وما هو الفرق بين الحالتين؟

4روى الطبراني في الصغير عن أبي هريرة عن النبي قال: (السلام اسم من أسماء الله تعالى، وضعه في الأرض تحيّة لأهل ديننا، وأماناً لأهل ذمّتنا).
وروى الطبراني في الأوسط والبيهقي عن أبي أمامة قال: سمعت رسول الله يقول: (إن الله عزّ وجلّ جعل السلام تحية لأمّتنا وأماناً لأهل ذمّتنا).
وفي الحديثين ضعف في السند، ولكن تقوّيهما النصوص العامة الكثيرة المذكورة آنفاً. وعمل الكثير من السلف بذلك كما ذكر الشيخ رشيد رضا.

5 في حياة الصحابة الجزء الأول : أخرج أبو يعلى عن حرب بن سريح قال: حدثني رجل من بلعدوية، قال: حدثني جدي، قال: انطلقت إلى المدينة فنزلت الوادي، فإذا رجلان بينهما عنز واحدة، وإذا المشتري يقول للبائع: أحسن مبايعتي. قال: فقلت في نفسي: هذا الهاشمي الذي قد أضلّ الناس، أهو هو؟ قال: فنظرت، فإذا رجل حسن الجسم، عظيم الجبهة، دقيق الأنف، دقيق الحاجبين … قال: فدنا منّا (أي الرسول ) فقال: السلام عليكم، فرددنا عليه … إلى آخر الحديث وفيه حوار طويل بين هذا الرجل الكافر وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلَم).

وأخرج أبو نعيم في حلية الأولياء (1/310) عن الطفيل بن أبي كعب أنه كان يأتي عبد الله بن عمر رضي الله عنهما فيغدو معه إلى السوق، قال: فإذا غدونا إلى السوق لم يمرر عبد الله بن عمر على سقاط (هو الذي يبيع سقط المتاع) ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا أحد إلاّ وسلّم عليه. قال الطفيل: فجئت عبد الله بن عمر يوماً فاستتبعني إلى السوق. فقلت: ما تصنع بالسوق، وأنت لا تقف على البيع، ولا تسأل عن السلع، ولا تسوم بها، ولا تجلس في مجالس السوق؟ قال: وأقول، اجلس ها هنا نتحدث، فقال لي عبد الله: إنما نغدو من أجل السلام فسلّم على من لقيت. وأخرجه أيضاً البخاري في الأدب (ص 148).

وأخرج الطبراني عن أبي أمامة الباهلي أنه كان يسلّم على كل من لقيه. قال: فما علمت أحداً سبقه بالسلام، إلاّ يهودياً مرة اختبأ له خلف اسطوانة، فخرج فسلّم عليه. فقال له أبو أمامة: ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال له: رأيتك رجلاً تكثر السلام، فعلمت أنه فضل، فأردت أن آخذ منه. فقال له أبو أمامة: ويحك إني سمعت رسول الله r يقول: (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأماناً لأهل ذمّتنا).
وعند أبي نعيم في الحلية (6/112) عن محمد بن زياد قال: كنت آخذ بيد أبي أمامة، وهو منصرف إلى بيته، فلا يمر على أحد، مسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلاّ قال: سلام عليكم، سلام عليكم.

رسائل رسول الله 5:
1- رسالته إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة قبل أن يسلم وقد افتتحها بقوله: سلم أنت ثم دعاه فيها إلى الله وحده لا شريك له. ثم ختمها بقوله: والسلام على من اتبع الهدى
2- رسالته إلى أسقف إيلة وأهلها وقد افتتحها بقوله: سلم أنتم، ثم دعاه للإسلام.
3- رسالته إلى العباد الاسبذبين وقد افتتحها أيضاً بقوله: سلم أنتم، وقبل هديّتهم، وفصّل لهم واجباتهم وختمها بقوله: والسلام على من اتبع الهدى.
4- رسالته إلى الهلال صاحب البحرين افتتحها بقوله: سلم أنت، ثم دعاه إلى الله، وختمها بقوله: والسلام على من اتبع الهدى.

ثانيا ادلة المانعين ومناقشتها
الدليل الاول للمحرمين
1ذكر أبو بصرة أن رسول الله قال: (إنّا غادون على يهـود، فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سـلّموا عليكم فقولوا: وعليكم) [رواه أحمد والطبراني في الكبير، وأحد إسنادي أحمد والطبراني رجاله رجال الصحيح. وزاد الطبراني: (فلمّا جئناهم سلّموا علينا فقلنا: وعليكم)، مجمع الزوائد للهيثمي كتاب الأدب]. وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده عن أبي عبد الرحمن الجهني قال: قال رسول الله : (إني راكب غذاً إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام، فإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم) [جاء في الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد أن هذا الحديث صحيح].
ونقل العسقلاني في فتح الباري رواية البخاري - في الأدب المفرد - والنسائي من حديث أبي بصرة نفسه أن النبي قال: (إني راكب غداً إلى اليهود، فلا تبدؤوهم بالسلام).
وذكر ابن القيّم في زاد المعاد في فصل (هديه في السلام على أهل الكتاب): (صحّ عنه أنه قال: لا تبدؤوهم بالسلام ..) لكن قد قيل: إن هذا كان في قضية خاصة لمّا ساروا إلى بني قريظة قال: لا تبدؤوهم السلام. فهل هذا حكم عام لأهل الذمة مطلقاً، أو يختصّ بمن كانت حاله بمثل حال أولئك؟ واختار الترجيح أن هذا الحكم عام بناء على حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ..) وسيأتي ذكره فيما بعد، لكننا نقلنا هنا قول ابن القيّم لبيان أن بعض السلف كانوا يعتقدون بأن عدم البدء بإلقاء السلام كان في قضية خاصة هي حصار بني قريظة.
الرد
هذا الحديث جاء بخصوص حصار بنى قريظة  القصة التي ورد فيها هذا الحديث ـ الذي تصرف بعض الرواة باختصاره ـ حين خرج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار اليهود، حيث جاءت في حادثة خروج النبي صلى الله عليه وسلم لحصار يهود بني قريضة بعد خيانتهم في غزوة الخندق، فأمر الصحابة أن لا يبدؤوهم بالسلام، وأن يضطروهم إلى أضيق الطريق، لأنهم أهل حرب، وفي رد السلام عليهم بذل للأمان لهم، ففسرت هذه الأحاديث الإجمال الوارد في حديث أبي هريرة ((سياتى فى الدليل الثانى للمحرمين ))الذي لم يشهد الحادثة لكونه أسلم بعدها بسنتين في السنة السابعة للهجرة، بينما حصار بني قريضة بعد الخندق في السنة الخامسة، فليس هذا الحديث على عمومه في المشركين ولا في عموم أهل الكتاب، بل ولا في كل اليهود، ولا على إطلاقه بل هو في حال الحرب مع أهل الحرب، فلا يدخل فيه أهل ذمتنا، ولا المعاهد ولا المسالم من أهل الشرك. وقد صرحت بعض طرق الحديث باصل القصة كاملة
وقد فسر إسحاق بن راهويه هذا الحديث بأن المراد منه منع بذل الأمان لليهود حين خرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم لحصارهم، لكونهم أهل حرب قال إسحاق(إذا كانت حاجة إليه فلك أن تبدأه بالسلام، ومعنى قول النبي (لا تبدؤوهم بالسلام)لما خاف أن يدعوا ذلك أمانا وكان قد غدا إلى يهود).( )مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه 1/87 .)

وكذا فسر شيخ الإسلام ابن تيمية سبب ورود حديث النهي عن بدء اليهود بالسلام كما نقله عنه ابن القيم (أما قول النبي لا تبدؤوهم بالسلام، وهذا لما ذهب إليهم ليحاربهم وهم يهود قريظة فأمر ألا يبدؤوا بالسلام، لأنه أمان وهو قد ذهب لحربهم، سمعت شيخنا يقول ذلك).([ أحكام أهل الذمة 3/1326 .)
الدليل الثانى للمحرمين
2. لكن وردت رواية أخرى في صحيح مسلم. وقد رواها أيضاً أبو داود والترمذي وفيها: (لا تبدأوا اليهود ولا النصارى بالسلام ..).
وفي رواية أبي داود، قال سهيل ابن أبي صالح: خرجت مع أبي إلى الشام، فجعلوا يمرّون بصوامع فيها نصارى، فيسلّمون عليهم. فقال أبي: لا تبدؤوهم بالسلام، فإن أبا هريرة حدّثنا عن رسول الله قال: (لا تبدؤوهم بالسلام ..). قالوا هذا نص عام فى تحريم الابتداء بالسلام لم يرتبط بحالة معينة كالحديث السابق
الرد اولا الحديث لايصح وان كان فى صحيح مسلم وسنبين ذلك ((هذا التخريج والكلام على ضعف الحديث مختصر منقول من بحث للشيخ حاكم المطيرى من اراد التفصيل اكتر فليرجع له على موقعه فى النت ساذكر رابطه اخر البحث))

هذا الاسناد به 3علل
الاولى ضعف سهيل بن ابى صالح
هذا الحديث لا يعرف بهذا اللفظ إلا من حديث سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا فمداره على سهيل بن ابى صالح
كلام الأئمة في سهيل :

وسهيل مع عدالته وصدقه قد تكلموا في ضبطه حتى قال عنه أبو حاتم (يكتب حديثه ولا يحتج به)([ الجرح والتعديل 4/246 .])، وكذا قال ابن معين فيه (لا يحتج به).([ الجرح والتعديل 4/246 .])

وهذا الجرح فسره الأئمة وهو أنه أصابته علة فنسي حديثه وتغير حفظه، فما زال أهل الحديث يتقون حديثه لذلك، كما جاء في الميزان(قال ابن المدينى: مات أخ لسهيل فوجد عليه فنسى كثيرا من الحديث.وقال ابن أبى خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه.وقال مرة: ضعيف.وسئل مرة فقال: ليس بذاك.وقال غيره: إنما أخذ عنه مالك قبل التغير).([ ميزان الاعتدال 2/244 .])

ولهذا تجنبه البخاري ولم يحتج به أصلا، ولم يخرج له شيئا سوى ثلاثة أحاديث أحدهما مقرونا بغيره، وآخرين في المتابعات، قال الحافظ ابن حجر في مقدمة الفتح (سهيل بن أبي صالح السمان أحد الأئمة المشهورين المكثرين، وثقه النسائي والدارقطني وغيرهما، وقال أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به، وقال ابن معين صويلح، وقال البخاري كان له أخ فمات فوجد عليه فساء حفظه، قلت له في البخاري حديث واحد في الجهاد مقرون بيحيى بن سعيد الأنصاري كلاهما عن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد وذكر له حديثين آخرين متابعة في الدعوات).([ مقدمة فتح الباري ص 408 .])

وقد أجمل فيه القول الحافظ ابن حجر فقال عنه(صدوق تغير حفظه بأخرة)([ ) تقريب التهذيب رقم 2675])، وقد تجنب النسائي تخريج حديثه هذا مع احتجاجه بسهيل، ولم يبوب البخاري في صحيحه ترجمة في النهي عن ابتداء المشركين أو أهل الكتاب بالسلام، وكأنه لم يصح عنده فيها شيء على شرطه!

وقد أنكر الدارقطني على البخاري تركه تخريج حديث سهيل في صحيحه مع شهرة نسخته وعدالته وتخريجه لمن هم مثله أو دونه.([ انظر سؤلات الحاكم للدارقطني رقم 263 .])

وقد سئل الدارقطني: لم ترك البخاري سهيلا في الصحيح ؟ فقال:( لا أعرف له فيه عذرا، فقد كان النسائي إذا حدث بحديث لسهيل، قال: سهيل والله خير من أبي اليمان، ويحيى بن بكير وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء ملآن، ترك البخاري سهيل بن أبي صالح في كتابه، وأخرج عن ابن بكير وفليح بن سليمان ، لا أعرف له وجها ولا أعرف فيه عذرا.قال الحاكم: روى له مسلم كثيرا، وأكثرها في الشواهد).([ سير الأعلام للذهبي 5/460 ، وسؤلات السلمي للدارقطني رقم 154 .])

وهذا الدارقطني الذي ينكر على البخاري ترك حديث سهيل يقرر اضطراب سهيل في بعض حديثه(فيشبه أن يكون سهيل حدث به مرة هكذا فحفظه عنه من حفظه كذلك لأنهم حفاظ ثقات ثم رجع سهيل إلى إرساله). ([) العلل 10/179 .])

وكذا حكم عليه في الوهم في حديث آخر.([ العلل ح رقم 3259 .])

وقال في حديث آخر(ويشبه أن يكون سهيل كان يضطرب فيه).([ العلل 10/162 .])

وانظر قوله (يضطرب فيه) ومع ذلك صححه ابن حبان وحسنه الترمذي إذ ليس كل اضطراب يلزم منه الرد.

وكذا قال الدارقطني في حديث اختلف فيه على الثوري (والثوري رحمه الله كان يضطرب فيه ولم يثبت إسناده) ([العلل 4/86 .])، وقال عن حديث اختلف على سفيان بن عيينة في روايته (ابن عيينة يضطرب في هذا الحديث). ([) العلل 10/280 .])


العلة الثانية اضطراب سهيل بن ابى صالح فيه
وقد وقع بينهم اختلاف شديد على سهيل في روايته للفظ هذا الحديث على وجوه:

1 ـ فتارة يقول(المشركين) كما رواه عنه زهير بن معاوية، وسفيان الثوري في رواية الجماعة عنه، وكذا فسره جرير بن عبد الحميد (نحن نراه في المشركين).

2 ـ وتارة يقول (أهل الكتاب) كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد.

3 ـ وتارة يقول(اليهود والنصارى) كما في رواية الدراوردي ومعمر وأكثر الرواة عن سهيل.

4 ـ وتارة يقول (اليهود) كما في رواية وكيع عن سفيان الثوري.

5ـ وتارة لا يسمي أحدا من المشركين، كما في رواية جرير بن عبد الحميد فإذا سئل عن المقصود قال (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)!

6ـ وفي رواية شعبة قصة سهيل مع أبيه حين مروا بصوامع في الشام فقال قال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تبدؤوهم بالسلام ..)، فإذا سئل شعبة قال يعني (اليهود والنصارى)، وتارة قال في (أهل الكتاب لا تبدؤوهم).

فقد كان أهل الحديث يروون هذا الحديث المشهور عن سهيل حيث رواه الثوري وشعبة ومعمر وغيرهم واختلفوا عليه في لفظه كما نبه عليه مسلم في صحيحه بعد روايته له حيث قال(وفي حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفي حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب) وفي حديث جرير (إذا لقيتموهم ولم يسم أحدا من المشركين)).([ ) صحيح مسلم ح رقم 2167])

فكان أهل الحديث يتحققون من لفظه ويسألون أصحاب سهيل عنه فكان من يروونه بالإضمار بلفظ (إذا لقيتموهم) كما هي رواية جرير وزهير إذا سئلوا :من المقصود بذلك اليهود والنصارى كما في رواية أبي عوانة ووهيب بن خالد؟ أم المشركون كما في رواية الأكثر عن سفيان الثوري؟ أم اليهود كما في رواية وكيع عنه؟

فكانوا يجيبون كما قال زهير بأن المراد (المشركين) وكما قال جرير (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين) وهذه عبارة جرير لأنه أحد الرواة عن سهيل لهذا الحديث المختلف فيه فيصلح أن يقول(ونحن نراه للمشركين) أي نحن أصحاب سهيل الذين سمعناه منه بلفظ الإضمار نراه قصد المشركين عامة، وإن كان في القصة أنهم كانوا يمرون على نصارى الشام ...الخ، وشعبة يقول يعني اليهود والنصارى أو قال في أهل الكتاب أي ليس في نص الرواية عند شعبة (لا تبدؤوا اليهود والنصارى)أو (لا تبدؤوا أهل الكتاب)، وإنما نصها المرفوع(لا تبدؤوهم بالسلام..) إلا أن أبا صالح استعمله في حق النصارى من أهل الشام واستدل بهذا الحديث.

فالخلاف على سهيل في لفظه قديم كما هو ظاهر، ولا شك أن الاختلاف بين هذه الروايات اختلاف تغاير لا اختلاف تنوع فإن لفظ (المشركين)أعم من لفظ (أهل الكتاب) أو(اليهود والنصارى)، وهذه أعم من لفظ(اليهود)، والروايات المضمرة تحتمل المعهودين للمخاطبين، فلا عموم فيها، بينما الروايات المصرحة تفيد العموم، ولا يمكن الجمع بين هذه العبارات، ولا الترجيح بين هذه الروايات، إذ الرواة عن سهيل أئمة حفاظ أثبات!

وإذا كان لا بد من الترجيح فأقوى الروايات هي رواية (المشركين)، ورواية (اليهود والنصارى)،

والاختلاف بينهما هو اختلاف تباين كما بين العام والخاص، (وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم) كما قال ابن الصلاح في زيادة الثقة.([ علوم الحديث النوع السادس عشر .])

فكيف إذا كان الخلاف بين الجماعة أنفسهم من الحفاظ الأثبات فالأمر أشد، إذ سببه الراوي نفسه لا الرواة عنه، وهذا اختلاف واضطراب منه يوجب التثبت في روايته وإن لم يقتض بالضرورة ردها، كما قال الحافظ ابن حجر: (الاختلاف عند النقاد لا يضر إذا قامت القرائن على ترجيح إحدى الروايات أو أمكن الجمع على قواعدهم).([ مقدمة فتح الباري ص366])وقال أيضا(فالتعليل بجميع ذلك من أجل مجرد الاختلاف غير قادح إذ لا يلزم من مجرد الاختلاف اضطراب يوجب الضعف).([ مقدمة فتح الباري ص 346 .])

إذ من الاضطراب ما لا يوجب الضعف، ولا يمكن الجمع هنا بين الروايات عن سهيل بحمل العام على الخاص، إذ هو حديث واحد عنه عن أبيه، ومداره عليه، والمقصود معرفة لفظ الشارع، لا اجتهاد الراوي وفهمه، فإما أنه حفظه عن أبيه بلفظ (المشركين)، أو بلفظ (اليهود والنصارى)، فإذا لم يتأتى معرفة ذلك ـ لكون الرواة عنه حفاظ أثبات، ورواياتهم عنه كلها محفوظة، وقد رووا عنه كلا اللفظين، وهو ما يؤكد اضطراب سهيل فيه ـ وجب التوقف فيه، حتى يتم الكشف عن وجه الحديث برده إلى الشواهد والأصول الأخرى، فإذا تم ترجيح إحدى الروايات عنه بشواهده، لم يكن ذلك من باب ترجيح المحفوظ على الشاذ، إذ ترجيح إحدى الروايات عنه حينئذ ليس بالنظر إلى الرواة عنه من خلال تقديم رواية الأحفظ منهم أو الأكثر عددا لتكون هي المحفوظة والأخرى شاذة، وإنما سيكون بقرائن خارجية لا تعلق لها بحديث سهيل نفسه، وهي وإن كشفت عن وجه الخلل في روايته، فإنها لا تدفع عنه وقوع الاضطراب منه بسبب نسيانه لحديثه وعدم حفظه له، ومن ثم تكون الرواية المردودة رواية منكرة بسبب تفرد سهيل بها، لا شاذة خالف فيها بعض من رواها عن سهيل من ثقات أصحابه من هو أولى منه!
العلة الثالثة
ان حديث سهيل هذا يعارض ظاهره أحاديث عامة بإفشاء السلام أصح منه إسنادا وأصرح معنى وهى التى ذكرناها فى ادلة اباحة ابتداء المشركين بالسلام من السنة
شبهتان للمعارضين والرد عليهما حول هذا الدليل
الشبهة الاولى
فان قالوا اخراج مسلم له فى صحيحه يدل على انه صحيح عنده وان راويه ثقة عنده
قلنا  ولا لوم على مسلم في تخريجه هذا الحديث عن سهيل، فقد أبان مسلم عن منهجه في مقدمة صحيحه فهو يخرج في الباب أولا أحاديث أهل الطبقة الأولى وهم أهل الحفظ والإتقان ويقدم حديثهم احتجاجا، ثم يخرج حديث أهل الطبقة الثانية من أهل العدالة والصدق استشهادا، وربما وقع في أحاديثهم اختلاف فيورده، لبيان ما فيه من اختلاف في لفظه، لا أنه يحتج بكل ما يرويه أو يصححه لهم من الألفاظ.

وسهيل من أهل هذه الطبقة وقد ذكر مسلم حديثه في آخر الباب بعد حديث أنس وعائشة في رد السلام على أهل الكتاب، كما ذكر اختلاف الرواة عليه في هذا اللفظ، وقد اعتذر الحاكم عن مسلم بأنه أكثر من تخريج حديث سهيل في الشواهد لا في الأصول، مع أن أصل هذا الحديث ثابت من حديث أبي بصرة الغفاري وله شاهد من حديث أبي عبد الرحمن الجهني وابن عمر فلا يضر مسلم إذا أخرجه في صحيحه في المتابعات والشواهد وذكر الخلاف في لفظه .

وقد قال مسلم(ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لك وهو إنا نعمد إلى جملة ما أسند من الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقسمها على ثلاثة أقسام وثلاث طبقات من الناس ...فأما القسم الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش، كما قد عثر فيه على كثير من المحدثين وبان ذلك في حديثهم، فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا فيما وصفنا دونهم فإن اسم الستر والصدق وتعاطى العلم يشملهم، كعطاء بن السائب ويزيد بن أبى زياد وليث بن أبى سليم وأضرابهم من حمال الآثار ونقال الأخبار، فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة ..).([ مقدمة الصحيح 1/2 .])

فهذا نص مسلم في كونه أدخل في كتابه خاصة في الشواهد حديث الطبقة الثانية ممن يشملهم وصف أهل الأمانة والصدق وإن لم يكونوا من أهل الحفظ والإتقان مما وقع في حديثهم ما وقع فيه من الخلل ما أنزلهم عن رتبة الطبقة الأولى كليث بن أبي سليم وعطاء بن السائب، ولا شك بأن سهيلا من أهل هذه الطبقة، فإذا أخرج له مسلم حديثا في الشواهد أو حديثا فيه خلل في لفظه فذكره وأورد الروايات المختلفة في لفظه، لم يكن في ذلك حجة على مسلم في كونه أخرج كل هذه الألفاظ، ومن ثم فهي كلها صحيحة عنده!

ومن ذلك أنه أخرج رواية شريك في حادثة الإسراء وفيها ألفاظ تخالف ما رواه الحفاظ فقال الصنعاني (قال عبد الحق في الجمع بين الصحيحين بعد ذكر رواية شريك إنه قد زاد فيه زيادة مجهولة وأتى فيه بألفاظ غير معروفة، فقد روى حديث الإسراء جماعة من الحفاظ المتثبتين والأئمة المشهورين كابن شهاب وثابت البناني وقتادة يعني عن أنس، ولم يأت أحد منهم بما أتى به شريك، وشريك ليس بالحفاظ عند أهل الحديث، وكذلك أنكر من حديث شريك قوله إن شق صدره وغسله في تلك الليلة، إذا عرفت هذه الأقاويل عرفت أنه لا اعتراض على مسلم في إيراده لحديث شريك بعد بيانه ما فيه من الزيادة والنقصان والتقديم والتأخير).([ ) توضيح الأفكار 1/123 .])

وقال ابن الصلاح (شرط مسلم في صحيحه أن يكون الحديث متصل الإسناد بنقل الثقة عن الثقة من أوله إلى منتهاه سالما من الشذوذ ومن العلة وهذا هو حد الحديث الصحيح في نفس الأمر فكل حديث اجتمعت فيه هذه الأوصاف فلا خلاف بين أهل الحديث في صحته، وما اختلفوا في صحته من الأحاديث فقد يكون سبب اختلافهم انتفاء وصف من هذه الأوصاف بينهم خلاف في اشتراطه كما إذا كان بعض رواة الحديث مستورا أو كما إذا كان الحديث مرسلا وقد يكون سبب اختلافهم في صحته اختلافهم في أنه هل اجتمعت فيه هذه الأوصاف أو انتفى بعضها وهذا هو الأغلب في ذلك، وذلك كما إذا كان الحديث في رواته من اختلف في ثقته وكونه من شرط الصحيح فإذا كان الحديث قد تداولته الثقات غير أن في رجاله أبا الزبير المكي مثلا أو سهيل بن أبي صالح أو العلاء بن عبد الرحمن أو حماد بن سلمة قالوا فيه هذا حديث صحيح على شرط مسلم وليس بصحيح على شرط البخاري لكون هؤلاء عند مسلم ممن اجتمعت فيهم الأوصاف المعتبرة ولم يثبت عند البخاري ذلك .. وقد روينا عن مسلم في باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه و سلم من صحيحه أنه قال ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هاهنا يعني في كتابه الصحيح وإنما وضعت هاهنا ما أجمعوا عليه، وهذا مشكل جدا فإنه قد وضع فيه أحاديث قد اختلفوا في صحتها لكونها من حديث من ذكرناه ومن لم نذكره ممن اختلفوا في صحة حديثه ولم يجمعوا عليه..). ([صيانة صحيح مسلم 72 .])

فمسلم إذا أورد الحديث وساق رواياته والخلاف في لفظه فليس هذا تصحيحا منه لكل لفظ وارد فيها بل هو أشبه بالإعلال ببيان ما في الروايات من اختلاف وهذا واضح جلي لمن طالع صحيحه وخبره.

وقد قال أبو مسعود الدمشقي عن زيادة سليمان التيمي في صحيح مسلم (وإذا قرأ فأنصتوا): (إنما أراد مسلم بإخراج حديث التيمي تبيين الخلاف في الحديث على قتادة، لا أنه يثبته).([ انظر الإلزامات والتتبع للدارقطني تعليق المحقق ص 213.])

أي أنه أراد بيان علته والخلاف فيه على راويه قتادة لا إثبات صحته.

وقد أخرج مسلم حديث سهيل هذا في آخر الباب ولم يقدمه بل جعل الأصل في الباب حديث أنس وحديث عائشة ثم جاء بحديث سهيل هذا ونبه على الاختلاف في لفظه فقال (وحدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة ح وحدثنا أبو بكر بن أبى شيبة وأبو كريب قالا حدثنا وكيع عن سفيان ح وحدثنى زهير بن حرب حدثنا جرير كلهم عن سهيل بهذا الإسناد وفى حديث وكيع (إذا لقيتم اليهود) وفى حديث ابن جعفر عن شعبة (قال في أهل الكتاب)وفى حديث جرير (إذا لقيتموهم) ولم يسم أحدا من المشركين).

وقد يكون مسلم لا يرى اختلافا بين حديث سهيل ـ في الجملة ـ والأحاديث الأخرى في الباب كما نبه عليه ابن عبد البر من أن رواية سهيل بمعنى حديث الجهني سواء فقال (...عن أبي عبد الرحمن الجهني قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول (إني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤوهم بالسلام فإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم)وروى جماعة من الأئمة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم معنى حديث أبي عبد الرحمن الجهني سواء)([ الاستذكار 8/467 .])انتهى كلام ابن عبد البر.

وحديث الجهني واضح وصريح بأنه في قصة حصار بني قريضة فكأن مسلما يرى أن حديث سهيل أو بعض رواياته ـ كرواية وكيع عن الثوري عن سهيل ـ كحديث الجهني وأبي بصرة الغفاري سواء وليس بالضرورة أن يوافق مسلم الفقهاء الذين احتجوا بهذا الحديث على إطلاقه وعمومه.

والمقصود أن تخريج مسلم لحديث في الشواهد مع تنبيهه على الخلاف في لفظه يمنع من الادعاء بأنه يصححه مطلقا وإنما يصححه من حيث الجملة ـ أي أصل الحديث ـ فيما وافق فيه أحاديث الباب لا فيما خالفها فيه من الألفاظ.

كما لا يرفع تخريج مسلم لحديث ما الخلاف فيه إذا كان فيه خلاف سابق بل تبقى القضية اجتهادية ينظر فيها إلى قول كل طرف ويحكم فيها بحسب الأدلة لا بحسب التقليد فليس أبو حاتم ومن معه بأقل من مسلم في هذا الفن، فإذا قال عن سهيل (لا يحتج به) واحتج به مسلم وجب النظر إلى قوله بعين الاعتبار حتى يحكم الدليل بينهما.
 ((هذا التخريج والكلام على ضعف الحديث مختصر منقول بالكامل من بحث للشيخ حاكم المطيرى من اراد التفصيل اكتر فليرجع له على موقعه فى النت ساذكر رابطه اخر البحث))
الشبهة الثانية
احتجوا بأن أبا صالح والد سهيل كان يمر بصوامع النصارى ويقول لا تبدؤوهم بالسلام
يقول الشيخ حاكم المطيرى
ولا يصلح الاحتجاج بأن أبا صالح والد سهيل كان يمر بصوامع النصارى ويقول لا تبدؤوهم بالسلام ..الخ

لأن هذا قد يكون اجتهادا منه والمطلوب هو لفظ روايته لا رأيه، وروايته لم يروها عنه إلا ولده سهيل واضطرب فيها ومما يؤكد ذلك قول الرواة عنه كجرير بن عبد الحميد (قال هذا للنصارى في النعت ونحن نراه للمشركين)، وقول زهير بن معاوية حين سأله علي بن الجعد عن لفظ سهيل قلت لزهير:(اليهود والنصارى؟ قال المشركين).

الرد على متن الحديث مع التسليم بصحته من كتاب ابتداء المشركين بالسلام
الجمع بين الروايتين : ونلاحظ هنا ما يلي :
أ. أن الرواية الثانية لم تربط منع الابتداء بالسلام بحادثة معيّنة بل تركت الأمر على الإطلاق. فكأنّ سبب المنع هو كونه يهودياً أو نصرانياً، وبغض النظر عن وجود حالة حرب أو هدنة أو ذمة.
فالأخذ بهذه الرواية على ظاهرها، يؤدي إلى إلغاء العمل بالرواية الأولى، التي يعلّل فيها رسول الله النهي عن البدء بالسلام، بوجود حالة الحرب، إذ عند وجود المنع المطلق، لا حاجة للتعليل بظرف طارئ.
بينما لو أخذنا بالرواية الأولى، لما احتجنا إلى إلغاء العمل بالثانية، ولكننا خصّصناه فقط في حالة الحرب.
وهذه الطريقة في الجمع بين الأدلة عن طريق إعمالها كلّها هي طريقة الأصوليين، وقاعدتهم في ذلك أن (إعمال الكلام خير من إهماله).

ب. إذا قيل بأن الرواية الثانية تنسخ الرواية الأولى فالأمر يحتاج إلى توفّر شروط النسخ ومنها إثبات تاريخي يؤكّد أن الثانية قيلت في زمن متأخر عن الأولى. مثل هذا الإثبات غير موجود، أو على الأقلّ لم نطلع نحن عليه، ولكن الثابت في السنّة - كما سيأتي فيما بعد - أن الرسول كان يراسل الملوك حتى وفاته فيلقي السلام أحياناً بشكل مطلق فيقول: سلم أنتم. ويقيّده أحياناً فيقول: والسلام على من اتبع الهدى. هذا بالإضافة إلى أن الرواية الثانية لم تنسخ الأولى بل أكّدتها وزادت عليها.

ت. إن الروايتين تؤكّدان أن المسلمين كانوا يبدؤون بالسلام التزاماً بالنصوص العامّة التي ذكرناها آنفاً من القرآن الكريم والسنّة المطهرة، ثم جاء النهي عن ذلك. والسلام ليس من المسائل التعبّدية غير المعلّلة، بل هو من المسائل التي تقبل التعليل. فإذا جاء النهي معلّلاً بحالة الحرب كان غير مناقض للنصوص العامة بل هو مخصص لها بما لا يناقض أهدافها. أما إذا جاء غير معلّل، فهو مخصص للنصوص العامة بما يناقض أهدافها. وهذا لا يصح إلاّ مع النسخ. والنسخ غير ثابت. فلم يبق أمامنا من سبيل لمنع ادعاء حصول التناقض إلاّ الجمع بين الروايتين الصحيحتين، واعتبار أن منع ابتداء غير المسلمين بالسلام سببه وجود حالة الحرب، وهذا الرأي هو الذي قال به الشيخ رشيد رضا (في تفسير المنار الآية 84 من سورة النساء) قال: روى أحمد عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : (إني راكب غداً إلى يهود، فلا تبدؤوهم بالسلام، وإذا سلّموا عليكم فقولوا: وعليكم). فيظهر هنا أنه نهاهم أن يبدؤوهم لأن السلام تأمين، وما كان يحب أن يؤمّنهم وهو غير أمين منهم، لما تكرر من غدرهم ونكثهم بالعهد … وقد نقل النووي في شرح مسلم جواز ابتدائهم بالسلام عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز. قال: وهو وجه لأصحابنا. كما نقل عن الأوزاعي قوله: إن سلّمت فقد سلّم الصالحون، وإن تركت فقد ترك الصالحون. وقال - أي النووي -: حكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم بالسلام للضرورة والحاجة أو لسبب، وهو قول علقمة والنخعي.
ونقل العسقلاني في فتح الباري الجزء الحادي عشر صفحة 33 عن ابن أبي شيبة عن طريق عون بن عبد الله عن محمد بن كعب أنه سأل عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال: نرد عليهم ولا نبدأهم. قال عون: فقلت له: كيف تقول أنت؟ قال: ما أرى بأساً أن نبدأهم. قلت: لم؟ قال: لقوله تعالى: {فاصفح عنهم وقل سلام } [سورة الزخرف، الآية 89].

ادلة اخرى للمحرمين بعيدة عن معنى النص
هذه الادلة والرد عليها ماخوذ من كتاب ((حديث لاتبداوا اليهود بالسلام دراسة مقاصدية للدكتور عثمان محمد غريب))
-اولا قالوا الابتداء بالسلام تحية اكرام لهم والكافر ليس اهلا لذلك
قلنا نعم انه يمنع اكرام الكافر لكفره بيد ان الاكرام هنا ليس لكفرهم بل لانسانيتهم وقد ثبت الاكرام لجميع البشر بفوله تعالى ولقد كرمنا بنى ادم
-ثانيا قالوا ان الابتداء بالسلام يستدعى المحبة ونحن مامورين بكره الكفار والمعاداة
قلنا الايات التى تنهى عن مودة الكفار جاءت فى الكافر المحارب المجادلة 22 والممتحنة 1و2 كما يرد عليه ايضا بان التهادى يؤدى الى المحبة لقول الرسول تهادوا تحابوا وورد ان الرسول اهدى الى ابى سفيان تمر عجوة حين كان بمكة محاربا
-ثالثا قالوا الابتداء بالسلام اعزاز لهم ونحن مامورين باذلالهم
قلنا الابتداء بالسلام ليس اعزاز بل تفضل منا عليهملان خير الرجلين من يبداء بالسلام
فالخلاصة اننا لانجد لهم دليل واحد معتبر فى تحريم الابتداء بالسلام بالاضافة الى وجود ادلة تبيح ذلك وهى التى ذكرناها فى اول البحث وهناك اثار عن السلف فى اباحة ذلك سنذكرها
اقوال السلف الصالح فى اباحة اللابتداء بالسلام على المشركين
من ذلك:

1 ـ عن شعيب بن الحبحاب قال:كنت مع علي بن عبد الله البارقي فمر علينا يهودي أو نصراني فسلم عليه فقال شعيب:قلت إنه يهودي أو نصراني!فقرأ علي آخر سورة الزخرف {وقيله يا رب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون.فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}([ آية 89 .]).([ ابن أبي شيبة في المصنف 5/259 وإسناده صحيح.])

2 ـ عن المسعودي عن عون بن عبد الله قال:سأل محمد بن كعب عمر بن عبد العزيز عن ابتداء أهل الذمة بالسلام فقال:ترد عليهم ولا تبتدئهم.

قلت:فكيف تقول أنت؟ قال:ما أرى بأسا أن نبدأهم!

قلت :لم ؟ قال :لقول الله تعالى {فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون}.([ ابن أبي في المصنف 5/249 ورجاله رجال الصحيح إلا أن سماع يزيد بن هارون من المسعودي بعد اختلاطه غير أن يحي بن معين صحح حديثه عن عون وهذا منها كما في الكواكب النيرات رقم 35 .])

3 ـ ابن عيينة قال يجوز ابتداء الكافر بالسلام لقوله تعالى {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين}وقول إبراهيم لأبيه {سلام عليك}([ انظر فتح الباري 11/39 .]).

كما احتج بعموم النصوص القرآنية والنبوية جماعة من الصحابة وسلف الأمة عملا أو قولا منهم:

1ـ أبو أمامة الباهلي:

رواه إسماعيل بن عياش عن محمد بن زياد الألهاني وشرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة (أنه كان لا يمر بمسلم ولا يهودي ولا نصراني إلا بدأه بالسلام)وعن أبي أمامة مرفوعا(أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([ ابن أبي شيبة في المصنف 5/249 و5/247 ، وعنه ابن ماجه في السنن ح رقم 3693 وقال البوصيري :إسناده صحيح رجاله ثقات.وهذا إسناد صحيح فإنه من رواية إسماعيل بن عياش عن أهل بلده وثقات شيوخه كمحمد بن زياد وشرحبيل بن مسلم صحيحة يحتج بها، كما في تهذيب التهذيب 1/282 .])

وفي رواية (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([ الطبراني في المعجم الكبير 8/111 ، وفي مسند الشاميين ح رقم 821 بأسانيد صحيحة إلى إسماعيل وبقية حدثني محمد بن زياد، وقد صرح بقية بالسماع فزال ما يخشى من تدليسه.])

وفي رواية عن محمد بن زياد قال:كنت آخذ بيد أبي أمامة فأنصرف معه إلى بيته فلا يمر بمسلم ولا نصراني ولا صغير ولا كبير إلا قال:سلام عليكم !سلام عليكم !سلام عليكم !حتى إذا انتهى إلى باب داره التفت إلينا ثم قال:يا بني أخي (أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أن نفشي السلام).([ البيهقي في شعب الإيمان 6/425 ، وحلية الأولياء 6/112 بأسانيد صحيحة إلى بقية وقد صرح بالسماع فزال ما يخشى من تدليسه.])

وفي رواية عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي أمامة الباهلي:أنه كان يسلم على كل من لقيه.قال:فما علمت أحدا سبقه بالسلام إلا يهوديا مرة، اختبأ له خلف أسطوانة فخرج فسلم عليه، فقال له أبو أمامة:ويحك يا يهودي ما حملك على ما صنعت؟ قال:رأيتك رجلا تكثر السلام فعلمت أنه فضل فأحببت أن آخذ به.فقال أبو أمامة:ويحك إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الله جعل السلام تحية لأمتنا وأمانا لأهل ذمتنا).([ الطبراني في المعجم الكبير 8/109، والأوسط ح رقم 3210 وقال (تفرد به عمرو)، ومسند الشاميين ح رقم 817 عن بكر بن سهل الدمياطي عن عمرو بن هاشم البيروتي عن إدريس بن زياد به، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/63 و69 (رواه الطبراني في الأوسط وفيه من لم أعرفه وعمرو بن هاشم البيروتي وثق وفيه ضعف)وقال أيضا(رواه الطبراني عن شيخه بكر بن سهل الدمياطي ضعفه النسائي وقال غيره مقارب الحديث)، ورواه أيضا البيهقي في شعب الإيمان 6/436، وقال ابن عدي في الكامل رقم 740 عن عمرو بن هاشم البيروتي(عمرو ليس به بأس ولم أر للمتقدمين فيه كلام وقد تكلموا فيمن هو أمثل منه بكثير)، قلت والصحيح أنه لا يثبت مرفوعا قوله (تحية لأهل ملتنا وأمانا لأهل ذمتنا)، والصواب وقفه على أبي أمامة قوله، فقد ذكره ابن عبد البر فقال (روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم قال رأيت أبا أمامة يسلم على كل من لقي من مسلم وذمي ويقول هي تحية لأهل ملتنا وأمان لأهل ذمتنا واسم من أسماء الله نفشيه بيننا) وهذا أصح إسنادا.])

والصحيح أن هذا اللفظ موقوف على أبي أمامة قوله، ولا يصح مرفوعا.

2ـ عبد الله بن مسعود:

عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال (أقبلت مع عبد الله ـ ابن مسعود ـ فصحبه دهاقين من أهل الحيرة فلما دخلوا الكوفة أخذوا في طريقهم غير طريقهم فالتفت إليهم فرآهم قد عدلوا فأتبعهم السلام فقلت أتسلم على هؤلاء الكفار؟ فقال (نعم صحبوني وللصحبة حق).([ ) ابن أبي شيبة في المصنف 5/259 .وإسناده صحيح على شرط الشيخين.])

وعن شعبة عن المغيرة وسليمان الأعمش عن إبراهيم عن علقمة:أنه كان رديف عبد الله يعني ابن مسعود على حمار فصحبهم الناس من الدهاقين في الطريق فلما بلغوا قنطرة أخذوا طريقا آخر فالتفت عبد الله فلم ير منهم أحدا فقال أين أصحابنا؟قال:قلت أخذوا الطريق الآخر!فقال عبد الله عليكم السلام! قال:قلت أليس هذا يكره؟قال:( هذا حق الصحبة).([ البيهقي في شعب الإيمان 6/463 أثر رقم 8909 ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين.])

وعن المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن تميم بن سلمة قال (مشى مع عبد الله ناس من أهل الشرك فلما بلغ باب القصر سلم عليهم).([ الطبراني في المعجم الكبير 9/193 ، قال الهيثمي في مجمع الزوائد 8/83 (رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح إلا أن تميم بن سلمة لم يدرك ابن مسعود)، وقد صح عن ابن مسعود من طرق أخرى.])

3ـ أبو الدرداء وفضالة بن عبيد:

عن إسماعيل بن عياش عن ابن عجلان (أن عبد الله وأبا الدرداء وفضالة بن عبيد كانوا يبدؤون أهل الشرك بالسلام).([ ابن أبي شيبة المصنف 5/249، عن إسماعيل بن عياش، وهذا الأثر من رواية ابن عياش عن ابن عجلان المدني، وفيها ضعف، وتتقوى بشواهدها.])

4ـ عمار بن ياسر:

عن صلة بن زفر عن عمار بن ياسر قال (ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان:الإنفاق من الإقتار، وإنصاف الناس من نفسك، وبذل السلام للعالم)([ عبد الرزاق في المصنف 10/386 عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي عن صلة به، وابن أبي شيبة في المصنف 6/172 عن وكيع عن الثوري عن أبي إسحاق به وإسناده صحيح، وانظر فتح الباري 1/82 ح رقم 28 حيث أورده البخاري معلقا عن عمار .])

5 ـ ابن عباس:

عن عمار الدهني عن رجل عن كريب عن ابن عباس أنه كتب إلى رجل من أهل الكتاب:السلام عليك.([ ابن أبي شيبة المصنف 5/248 عن وكيع عن الثوري عن الدهني به، ورجال إسناده رجال الصحيح إلا أنه فيه راو مبهم.])

6ـ أهل الشام:

عن شعبة عن سهيل بن أبي صالح قال خرجت مع أبي إلى الشام فجعلوا يمرون بصوامع فيها نصارى فيسلمون عليهم فقال أبي لا تبدؤوهم بالسلام فإن أبا هريرة حدثنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (لا تبدؤوهم بالسلام وإذا لقيتموهم في الطريق فاضطروهم إلى أضيق الطريق).([ أبو داود في السنن ح رقم 5205 .]) ورواية (لا تبدؤوهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه).([ أحمد في المسند 2/346 ح 8542])

فهذه الرواية تدل على أن هذا القول وهو ابتداء أهل الكتاب بالسلام مذهب مشهور شائع في التابعين من أهل الشام وأبو أمامة وأبو الدرداء ممن سكنوا الشام.

وقد حاول ابن عبد البر حمل ذلك على الجواز من فعلهم لا على الاستحباب فتأول حديث (لا تبدؤوا اليهود بالسلام) على معنى (لا يجب عليكم أن تبدؤوا اليهود )حيث قال (وقد روي عن جماعة من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم ، أنهم كانوا يبدءون بالسلام كل من لقوه من مسلم أو ذمي. فالمعنى في ذلك ، والله أعلم ، أنه ليس بواجب أن يبدأ المسلم المار القاعد الذمي ، والراكب المسلم الذمي الماشي، كما يجب ذلك بالسنة على من كان على دينه ، فإن فعل فلا حرج عليه. فكأنه قال صلى الله عليه وسلم (ليس عليكم أن تبدؤوهم بالسلام) بدليل ما روى الوليد بن مسلم عن عروة بن رويم ، قال : رأيت أبا أمامة الباهلي يسلم على كل من لقي من مسلم وذمىّ ، ويقول : هي تحيةٌ لأهل ملتنا، وأمان لأهل ذمتنا، واسم من أسماء الله نفشيه بيننا.ومحال أن يخالف أبو أمامة السنة ، لو صحت في ذلك بل المعنى على تأويلنا والله أعلم ، ومن حجة من ذهب إلى هذا قوله عز وجل : " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ") انتهى كلام ابن عبد البر .([ بهجة المجالس ص 160 .])

وهو كما ترى صريح في تأويل حديث سهيل ليس على المنع من ابتداء غير المسلم بالسلام بل على معنى أنه ليس ابتداؤهم بالسلام واجبا على المسلمين بل جائز، ولا يخفى ما فيه من تكلف، إذ واضح من فعل أبي أمامة أنه كان يسلم عليهم استحبابا عملا بظاهر حديث(أمرنا بإفشاء السلام)، ولو ذهب ابن عبد البر إلى ما ذهب إليه إسحاق بن راهويه ـ كما سيأتي ـ من تأويله حديث سهيل على أن المراد المنع من بذل الأمان لهم في حال الحرب لما أشكل عليه فعل هؤلاء الصحابة في حال السلم والأمن.
وقد تضمنت بعض الأحاديث العامة في إفشاء السلام أحكاما عدة كحديث (أمرنا بسبع)، وقد احتج الشراح والفقهاء بعموم ألفاظها إلا ما دل الدليل على المنع من التعميم ومن ذلك (يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام وصلوا الأرحام) ومعلوم أن صلة الأرحام واجبة ومشروعة حتى مع غير المسلمين منهم كالوالدين إذا كانا غير مسلمين وكذا إطعام الطعام لم يقل أحد بأنه خاص بالمسلمين بل هو عام حتى مع غير المسلمين وهو من أعمال البر بلا خلاف.

كما قال البيهقي(وقد ذكرنا في كتاب السنن الرخصة في الإنفاق عليهم بحق الرحم عند الحاجة وفي عيادتهم إذا مرضوا وهو يرجو إسلامهم وتكفين من مات من رحمه ومواراته ومجازاة من كانت له عنده يد).([ شعب الإيمان 7/44 .])

وقال القرطبي(اتفقت الملة على أن صلة الرحم واجبة وأن قطيعتها محرمة وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأسماء وقد سألته :أأصل أمي؟ قال (نعم صلي أمك) فأمرها بصلتها وهي كافرة. فلتأكيدها دخل الفضل في صلة الكافر).([ الجامع لأحكام القرآن 5/6])

وكذا حديث أمرنا بسبع فقد ورد فيه(تشميت العاطس وإبرار القسم ونصرة المظلوم وإفشاء السلام وإجابة الداعي واتباع الجنائز)وفي رواية (ورد السلام).

فهذا عام وجاءت نصوص أخرى تؤكده في حق المسلم على أخيه المسلم لمزيد الاختصاص والعناية ويبقى العام على عمومه ما لم يقم دليل على خلافه، أما إفشاء السلام فواضح وبه عمل جماعة من الصحابة كما سبق ذكره عملا بعموم الكتاب والسنة، وكذا نصرة المظلوم بلا خلاف لمن قدر على نصرته مسلما كان المظلوم أو غير مسلم، وتشميت العاطس ثبت بالنصوص أن النبي كان يشمت يهود بقوله (يهديكم الله ويصلح بالكم)، وإجابة الداعي مشروعة وقد دعا يهودي النبي صلى الله عليه وسلم على طعام فأجابه.

قال ابن عبد البر (قال البراء: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع فذكر منها إجابة الداعي وذكر منها أشياء منها ما هو فرض على الكفاية ومنها ما هو واجب وجوب سنة فكذلك إجابة الدعوة).([ التمهيد 1/275])

وقال الشبيهي المغربي(أمرنا النبي صلى الله عليه بسبع: أي أمر إيجاب أو ندب. بعيادة المريض:وهي مندوبة ولو كان ذميا. واتباع الجنائز: وهو مندوب أيضا إلا إذا لم يوجد من يقوم بالميت، فيصير تجهيزه ودفنه فرض كفاية. وتشميت العاطس: سنة كفاية بشرط الحمد. وإبرار المقسم: مندوب. ونصر المظلوم: واجب لمن قدر عليه ولو كان ذميا).([ الفجر الساطع على الصحيح الجامع 7/87])

وقال ابن علان الشافعي (قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: (أمرنا بعيادة المرضى) ندباً في سائر الأوقات فلا تكره إلا إن شقت على المريض (واتباع الجنائز) أي تشييعها والمكث إلى الفراغ من دفنها (وتشميت العاطس) إذا حمد الله تعالى والأمر في هذه الثلاث للندب (وإبرار المقسم) بنحو أقسمت عليك با أو نحو وا لتفعلن كذا فيسن له حيث لا مانع تخليصاً له عن ورطة الاستهتار بحقه في الأول وحنثه في الثاني (ونصر المظلوم) ولو ذمياً يمنع الظالم عن ظلمه وجوباً على من قدر على ذلك بفعله أو قوله وهذا يرجع إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهذا واجب عيناً تارة وكفاية أخرى).([ دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 2/297])

وقال ابن حجر (قال بن دقيق العيد إذا نظرنا إلى قول من قال من أهل اللغة أن التشميت الدعاء بالخير دخل الكفار في عموم الأمر بالتشميت وإذا نظرنا إلى من خص التشميت بالرحمة لم يدخلوا، قال ولعل من خص التشميت بالدعاء بالرحمة بناه على الغالب، لأنه تقييد لوضع اللفظ في اللغة قلت وهذا البحث أنشأه من حيث اللغة وأما من حيث الشرع فحديث أبي موسى دال على أنهم يدخلون في مطلق الأمر بالتشميت لكن لهم تشميت مخصوص وهو الدعاء لهم بالهداية وإصلاح البال وهو الشأن ولا مانع من ذلك بخلاف تشميت المسلمين فإنهم أهل الدعاء بالرحمة بخلاف الكفار).([ فتح الباري 10/604 .])

وأما اتباع الجنائز فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم عليا أن يواري أباه حين توفي قال العيني(وبه استدل أصحابنا بهذا الحديث على أن المسلم إذا مات له قريب كافر يغسله ويدفنه، وقال صاحب "الهداية":و إن مات الكافر وله ولي مسلم يغسله ويكفنه ويدفنه، بذلك أمرَ علي في حق أبيه أبي طالب).([ شرح سنن أبي داود 6/169 ..])

فهؤلاء شراح الحديث من السلف والخلف نصوا على عموم هذه الأحاديث في المسلم وغير المسلم في بعض هذه الأوامر ولم يشكل عليهم ذلك، ويتحصل من مجموع أقوالهم أنه عام في إفشاء السلام وصلة الأرحام وإطعام الطعام ورد السلام ونصرة المظلوم وعيادة المريض وتشميت العاطس وإجابة الدعوة، فمنها ما الأمر فيه على سبيل الوجوب بالنسبة لغير المسلم كنصرة المظلوم لمن قدر عليه، وصلة الرحم للوالدين ونحوهما، ورد السلام، وتشميت العاطس منهم إذا حمد الله، ومنها ما هو على سبيل الندب والاستحباب كإفشاء السلام، وإطعام الطعام، وإجابة الدعوة، وإتباع الجنازة إذا كان المقصود مواراتها ودفنها ويكون واجبا إذا لم يكن هناك من يدفنه غيره.

وكذا إبرار القسم حيث أن معناه معقول وأن المقصود من ذلك تعظيم الأيمان بالله فالراجح العموم كما قال ابن الجوزي(وأما إبرار القسم فلمعنيين أحدهما لتعظيم المقسم به والثاني لئلا يحنث الحالف). ([89]) وقال العيني(الوجه الخامس في إبرار القسم وهو خاص فيما يحل وهو من مكارم الأخلاق فإن ترتب على تركه مصلحة فلا). ([90])

ومعلوم أن مكارم الأخلاق تكون مع المسلم وغير المسلم كما في الحديث (إنما بعثت لأتمم صالح ـ أو مكارم ـ الأخلاق).([91])

من كل ما تقدّم نستنتج :
1. أن الإسلام يحثّ المسلمين على المبادرة إلى طرح التحية تجاه جميع الناس وبلفظ (السلام عليكم) بدليل أحاديث إفشاء السلام العامة وهي كثيرة وصحيحة.
2. أن الإسـلام يأمر بردّ التحية بأحسـن منها أو مثلهـا حين يبادر الآخـرون بها لقوله تعـالى: }وإذا حيّيتم بتحية فحيّوا بأحسن منها أو ردّوها ..{. فإذا ابتدأ الكتابي بالسلام يُردّ عليه بمثله على الأقل.
3. إذا بدأ الآخرون بتحية سيّئة يجوز للمسلم ردّها بمثلها فقط، بدليل قول الرسول (ص) لأصحابه حين كان اليهود يبدؤونهم بالقول: (السام عليكم) قولوا: وعليكم.

- ويجوز الصفح عنهم ورد التحية السيئة بأحسن منها لعموم قوله تعالى: { ويدرؤون بالحسنة السيئة} [سورة الرعد، الآية 22]. وقوله في رد التحية: }فحيّوا بأحسن منها ..{ وقوله في التعامل مع أهل الحرب: { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به، ولئن صبرتهم لهو خير للصابرين } [سورة النحل، الآية 126]. وقوله تعالى: { فاصفح عنهم .. وقل سلام ..} [سورة الزخرف، الآية 19].

- ولا يجوز الزيادة عن المثل في (التحية السيئة) لما ثبت أن الرسول (ص) لم يوافق عائشة رضي الله عنها على هذه الزيادة. وذلك في الحديث الصحيح عندما قال اليهود: السام عليكم، فردت عليهم: وعليكم السام واللعنة. فنهاها عن ذلك وأمرها بالرفق وأن تكتفي بالرد: وعليكم. [الرواية متفق عليها].


هذه صورة من أخلاق المسلم. وصدق رسول الله (ص): (إنما بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق).

رابط بحث الشيخ حاكم المطيرى (بحث نفيس )
http://www.dr-hakem.com/Portals/Content/?info=TmpJMUpsTjFZbEJoWjJVbU1RPT0rdQ==.jsp



هناك 4 تعليقات:

  1. الله يجزيك ك الخير على هذا البحث الوافي والجواب الشافي .

    ردحذف
  2. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    هل لديك بحث في المصافحة؟ جزاك الله خيرا

    ردحذف