الاثنين، 6 يناير 2014

اباحة اللهو والترويح عن النفس فى الاسلام









تنبيه البحث منقول من مقال للدكتور العلامة يوسف القرضاوى

من نظر في النصوص الجزئية للشريعة: لم يجد في مُحْكم القرآن الكريم ، ولا في صحيح السنة النبوية : ما يحظر اللهو واللعب، إلا ما صاحبه أمر محرم شرعا، أو أدّى إلى مفسدة محققة أو مرجّحة.
بل نجد في نصوص القرآن ما يدل على شرعية اللهو، كما في قوله تعالى:(وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما، قل: ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة ) الجمعة: 11.
فعطف التجارة على اللهو ينبئ بأنهما في المشروعية سواء، وإنما الذي ذمه الله تعالى: هو انشغالهم باللهو والتجارة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك حين تأتي القافلة محملة بالبضائع، وما يصحبها من الطبل والغناء واللهو ، فينفضون إليها ويتركونه في المسجد قائما.
كما نجد في نصوص السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للحبشة أن يرقصوا بحرابهم في مسجده، وأذن لعائشة أن تنظر إليهم وهي متعلقة به ، كما سمح للجاريتين أن تغنيا وتضربا بالدف في بيت عائشة ، وكان موجودا، وذلك في يوم عيد. معللا ذلك بقوله : " لتعلم يهود أن في ديننا فسحة . إني أرسلت بحنفية سمحة ![1]
وكان عليه الصلاة والسلام يمزح مع زوجاته، ومع أصحابه، ولا يقول إلا حقا، وكان أصحابه على نهجه يمزحون ويتضاحكون، ومنهم من يبتكر (المقالب) لزملائه ورفاقه، مما لا يكاد يصدقه من يقرؤه الآن.
ومن ذلك ايضا نصوص فى القران والسنه
من الدستور الإلهي
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ) المائدة : 4 .
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ) الأعراف : 156 .
(هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الحج:78 .
من مشكاة النبوة
"يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات " رواه مسلم .
"حتي يعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة " رواه أحمد .
"هلا كان معها لهو؟ فإن الأنصار يعجبهم اللهو " رواه البخاري .
"كان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقًا " رواه أحمد .
"يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا " متفق عليه .
خلق الله الإنسان لعبادته سبحانه، وجعل خلقه مزيجاً من ثقلة اللحم، وشفافية الروح، ‏وركب فيه خصائص تجعل من دوامه على حال واحدة من المحال، فهو في حركة دائمة ‏وتنقل بين النشاط والكسل، والجد واللعب، والطاعة وضدهاوالموفق من كان في ‏نشاطه في طاعة الله، وفي قوته وضعفه ممسكاً عما حرم الله. ومن رحمته وحكمته أن هيأ ‏للإنسان من المباح ما يدفع به آثار السآمة والملل بعد الجد والعمل عن طريق الترفيه واللهو ‏المباح. وبذلك نعلم أن اللعب واللهو في إطاره الصحيح حاجة نفسية قبل أن تكون شأن ‏الفارغين، وبدهي أن تكون في الصغير ألصق منها بالكبير، لذلك لم يهمل الإسلام ‏بشموليته في تنظيم الحياة هذا الجانب الهام، وإنما تسامى به، إذا جعل منه خادماً للفرائض ‏ومعيناً عليها. وفي السنة الجم الغفير مما يدل على ذلك ويحث عليه منها:‏
قوله صلى الله عليه وسلم: " لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر" رواه أحمد والترمذي ‏وأبو داود والنسائي. وصححه ابن القطان وابن دقيق العيد. والنفي هنا لبيان الأفضل ‏والأكمل، لا أن غيره من أنواع السباق لا يجوز كالسباق بالأقدام، "إذ سابق النبي صلى ‏الله عليه وسلم زوجه عائشة رضي الله عنها" رواه البخاري.‏
ومنها: وقوفه صلى الله عليه وسلم أمام الحبشة وهم يلعبون بالحراب. رواه البخاري ‏وكذلك غناء الجواري في يوم العيد بحضرته صلى الله عليه وسلم. رواه البخاري أيضاً. كل ‏ذلك يدلنا على مبلغ اعتناء الشارع بهذه الحاجة النفيسة، وكيف وظفها في خدمة غايات ‏شرعية، كبناء الأجسام، والتدريب على آلات الحرب والقتال.‏
يقول الامام الغزالى اللهو من حيث إنه لهو ليس بحرام فلعب الحبشة ورقصهم لهو وقد كان صلى الله عليه وسلم ينظر إليه ولا يكرهه. بل اللهو واللغو لا يؤاخذ الله تعالى به إن عنى به أنه فعل ما لا فائدة فيه. فإن الإنسان لو وظف على نفسه أن يضع يده على رأسه في اليوم مائة مرة فهذا عبث لا فائدة له ولا يحم. قال الله تعالى: "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" فإذا كان ذكر اسم الله تعالى على الشيء على طريق القسم من غير عقد عليه ولا تصميم والمخالفة فيه مع أنه لا فائدة فيه لا يؤاخذ فيكيف يؤاخذ به
بالشعر والرقص
والناظر في كتب الفقه الإسلامي: يجد أن كل المذاهب قد تحدثت عن السبق والمسابقة، ولكن أوسعهم فيها هم الشافعية، وهم يفخرون أن الشافعي هو أول من أدخل هذا الباب في الفقه.
يقول العلامه القرضاوى
فالإسلام دين واقعي لا يحلق في أجواء الخيال المثالية الواهمة، ولكنه يقف مع الإنسان على أرض الحقيقة والواقع. ولا يعامل الناس كأنهم ملائكة أولو أجنحة مثنى وثلاث ورباع. ولكنه يعاملهم بشرا يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق.
لذلك لم يفرض على الناس ـ ولم يفترض فيهم ـ أن يكون كل كلامهم ذِكْرا، وكل صمتهم فكرا، وكل سماعهم قرآنا، وكل فراغهم في المسجد. وإنما اعترف بهم وبفطرهم وغرائزهم التي خلقهم الله عليها، وقد خلقهم سبحانه يفرحون ويمرحون، ويضحكون ويلعبون، كما خلقهم يأكلون ويشربون.
ولقد بلغ السمو الروحي ببعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مبلغا ظنوا معه أن الجد الصارم، والتعبد الدائم، لا بد أن يكون ديدنهم، وأن عليهم أن يديروا ظهورهم لكل متع الحياة، وطيبات الدنيا، فلا يلهون ولا يلعبون، بل تظل أبصارهم مشدودة إلى السماء، وأفكارهم متجهة إلى الآخرة ومعانيها، بعيدة عن الحياة ولهوها. وتظل أعينهم من خشية الله دامعة، وقلوبهم من ذكر الله خاشعة، وأكفهم إلى الله ضارعة، فإذا تخلوا عن هذه الحال الربانية الراقية بعض الأوقات اتهموا أنفسهم بالنفاق.
ولنستمع إلى حديث هذا الصحابي الجليل حنظلة الأسيدي ـ وكان من كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ قال يحدثنا عن نفسه: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟.
قلت: نافق حنظلة!!.
قال: سبحان الله، ما تقول؟
قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين (أي كأنا بحال من يراهما بعينه) فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا (لاعبنا) الأزواج والأولاد والضيعات (معاش الإنسان من مال أو حرفة) فنسينا كثيرا!!.
قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا!.
قال حنظلة: فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: نافق حنظلة يا رسول الله!.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟؟.
قلت: يا رسول الله.. نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرا!
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات "[1]. أي كرر عليه الصلاة والسلام كلمة (ساعة وساعة) ثلاث مرات، تأكيدا لأهميتها.
واقتباسا من هذا الحديث أخذ الناس مثلهم القائل: ساعة لقلبك، وساعة لربك.
وكذلك كان أصحابه الطيبون الطاهرون، يمزحون ويضحكون ويلعبون ويتندرون، معرفة منهم بحظ النفس، وتلبية لنداء الفطرة، وتمكينا للقلوب من حقها في الراحة. واللهو البريء، لتكون أقدر على مواصلة السير في طريق الجد، وإنه لطريق طويل.
قال علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: روحوا عن القلوب وابتغوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق